
نقرأُ في سورةِ آل عمران، وفي الآية الكريمة 179 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ). فما هو معنى “وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى قد اختصَّ نفسَه بعِلمِ الغيب: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (من 65 النمل). فاللهُ تعالى ما كان ليُطلِعَ أحداً من خلقِه على الغيب إلا بالقدْر الذي يقتضيهِ الأمرُ الذي شاءت إرادتُه له أن يكون: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (من 255 البقرة)، (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) (من 32 البقرة).
وهذا القدْرُ من علمِ الغيبِ “قليلٌ”، وذلك بالمقارنةِ مع باقي عِلمِ الله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (من 85 الإسراء).
وعلمُ اللهِ هو مما ليس بمقدورِ الإنسانِ أن يعلمَه إن لم يُطلعه عليه الله، وبالقدر الذي سبقَ وأن قدَّره له الله: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (4- 5 العلق). فبنو آدم وإن لم يُطلعهم اللهُ على الغيب، فإنَّ اللهَ ما كان ليذرَهم دون أن يُطلِعَ مَن اصطفاه واجتباهُ منهم على ما سبقَ وأن قدَّرَه لهم مما هم بحاجةٍ إلى ان يحيطوا به من علمِه حتى يتبيَّنَ لهم السبيلُ إلى مرضاته فلا يحيدوا عنه إن هُم أرادوا الفلاحَ في الدنيا والآخرة: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) (من 179 آل عمران).
فاللهُ تعالى اجتبى من بَني آدم مَن جعلَهم رسلَه الذين أطلعهم على بعضٍ من عِلمِه وبما يسَّرَ لهم أن يدعوا قومَهم إليه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (26- من 27 الجن).