نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآيةِ الكريمة 249 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ). فلماذا ابتُلِيَ جنودُ طالوتَ بهذا النهر؟
يُعينُ على تبيُّنِ العلةِ من وراءِ هذا الابتلاء أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 251 من سورةِ البقرة: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ). فطالوتُ والذين آمنوا معه ما كان لهم أن يهزموا جالوتَ وجنودَه لولا أنَّ اللهَ تعالى أيَّدهم بنصرِه العزيز؛ هذا النصرُ الذي ما كان اللهُ تعالى ليكتبَه لهم إلا من بعدِ أن يُمحِّصَهم فيَميزَ خبيثَ جنودِ طالوت من طيِّبهم.
ولذلك نقرأُ في الآيةِ الكريمة 249 من سورةِ البقرة: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ). فالسوادُ الأعظمُ من جنودِ طالوت شربوا من هذا النهر: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ). وبذلك تمايزَ أصحابُ طالوت بين قلةٍ مؤمنةٍ صالحة وكثرةٍ كافرةٍ باغية.
ولقد تجلَّى ذلك على هذه الكثرةِ الخبيثة تقاعساً وقعوداً وجُبناً وتخاذلاً حتَّم وجوبَ ألا يشاركوا القلةَ المؤمنةَ الصابرةَ المحتسبة نصرَ اللهِ العظيمَ لهم على جالوتَ وجنودِه: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
فهذه القلةُ المؤمنةُ الصابرة من جنودِ طالوت كانت أهلاً لأن يؤيِّدَها اللهُ تعالى بنصرِه الذي تنزَّلَ عليهم بُعيدَ دعائهم اللهَ تعالى: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (من 250 البقرة).
فابتلاءُ جنودِ طالوت بالنهر إذاً كان الوسيلةَ التي كفلت لطالوتَ والذين آمنوا معه أن يحظوا بنصرِ اللهِ العزيز على عدوِّهم الذي كان يفوقُهم عَدداً وعِدة أضعافاً مضاعفة.