
عرَّفَ اللهُ تعالى الإنسانَ بحقيقةٍ ما كان الإنسانُ ليُحيطَ بها بعقلِه الذي لم يُقدِّر اللهُ تعالى له أن يعلمَ وحده غيرَ ظاهرِ هذه الحياةِ الدنيا. وهذه الحقيقةُ مفادُها ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى في الآية الكريمة 64 من سورةِ العنكبوت: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). وهذه الدارُ الآخرة قد جعلَ اللهُ تعالى منهاجاً للوصولِ إليها لابد من التقيِّدِ به إذا ما أرادَ المرءُ أن يكونَ من أهلِها. وهذا المنهاجُ الربَّاني هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قَولِ اللهِ تعالى في الآيتَين الكريمتَين:
1- (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (من 169 الأعراف).
2- (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83 القَصَص).
وهذا المنهاجُ الرباني قد بيَّنته سورةُ الأحزاب في آيتِها الكريمة 29: (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا). فالخطابُ الإلهي في هذه الآيةِ الكريمة وإن كان موجهاً إلى نساءِ النبي صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، فإنَّه لا يقتصرُ عليهن فلا يتعداهن ليشملَ الذين آمنوا كلَّهم جميعاً.
وهذا هو عينُ ما ينبغي علينا أن نأخذَ به ونحنُ نتدبَّرُ ما حفظته لنا سورةُ القَصَص في آيتِها الكريمة 77 مما قاله الذين أوتوا العلمَ لقارون: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). فهذا القولُ يُفصِّلُ ما ينبغي علينا أن نلتزمَ به ونجتهدَ حتى لا نحيدَ عنه إذا ما أردنا حقاً أن تكونَ لنا الدارُ الآخرة؛ هذه الدارُ التي وصفَها اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بأنَّها “نِعمَ عُقبى الدار”: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (22- 24 الرعد). فالدارُ الآخرةُ إذاً هي دارُ أولئك الذين فصَّلت حالَهم مع اللهِ تعالى هذه الآياتُ الكريمة من سورةِ الرعد تفصيلاً يتبيَّنُ لكلِّ مَن يتدبَّرُه أنَّ الأمرَ يقتضي وجوبَ ألا نحسبَ دخولَ الجنةِ أمراً هيِّناً وهو يتطلَّبُ كلَّ هذا الالتزام بمنهاجِ الله القويم.