
كشفَ اللهُ تعالى للإنسانِ في القرآنِ العظيم النقابَ عن حقيقةٍ ما كان للإنسانِ أن يُحيطَ بها وحدَه. وهذه الحقيقةُ مفادُها أنَّ هنالك كائناً غيرَ مرئي، هو الشيطانُ، قد أقسمَ بعزةِ اللهِ تعالى أن يُضِلَّ السوادَ الأعظمَ من بَني آدم: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (82- 83 ص).
وللشيطانِ جنودٌ هُم ذُريتُه وقَبيلُه: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (27 الأعراف).
ولقد أمرَنا اللهُ تعالى بأن نُعادِيَ الشيطانَ فلا نتَّبِعَ خطواتِه ولا نتَّخذَه وذريتَه أولياءَ من دونِه وهم لنا عدو: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (50 الكهف).
ولقد شدَّدَ اللهُ تعالى أمرَه بوجوبِ ألا نتَّبعَ خطواتِ الشيطانِ، وذلك في مواطنَ قرآنيةٍ عدة، منها:
1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (208 البقرة).
2- (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (من 168- 169 البقرة).
والآن، أما وقد تبيَّنَ لنا ما تبيَّن من عداوةِ الشيطانِ للإنسان، فأيُّهما أكثرُ عداوةً للآخر إذاً؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 6 من سورةِ فاطر: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ). فهل كان اللهُ تعالى لِيأمرَنا بوجوبِ أن نُعادِيَ الشيطانَ، فنتَّخذَه عدواً، لو أننا كنا نُعادِيه أصلاً؟