
أشارَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم إلى الحياةِ الدنيا فذكرها بهذه الصيغة الجليلة (“الحياة الدنيا”) تارة: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (من 33 لقمان)، وأشارَ إليها بـ “الدنيا” تارةً أخرى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (10 الزُّمَر).
ولقد ذكرَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم الآخرةَ بهذه الصيغةِ الشريفة (“الآخرة”) فحسب، وذلك مجردةً من كلمة “الحياة”: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9 الزُّمَر). فلماذا لم يُشِر اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم إلى الآخرة بـ “الحياةِ الآخرة”؟
لنتدبَّر الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (130 البقرة).
2- (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار) (من 201 البقرة).
3- (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (من 38 التوبة).
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ وصفَ اللهِ تعالى في قرآنِه العظيم لـ “الآخرة” بما بوسعنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآية الكريمة 64 من سورةِ العنكبوت: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). فاللهُ تعالى لم يصِف الآخرةَ بـ “الحياةِ الآخرة” إلا ليُبيِّنَ للناسِ أن كلمة “الحياة” لا تَفي الآخرةَ حقَّها ومستحقَّها، ولذلك سمَاها بـ “الحَيَوان”، وهي كلمةٌ قرآنيةٌ لم تعرِفها العربُ من قبل.