
نقرأُ في سورةِ يونس، وفي الآيتَين الكريمتَين 38- 39 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). فما هو معنى “بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (84 النمل). فالإنسانُ، على مرِّ العصورِ وكَرِّ الدهور، إذا ما اختارَ أن يُعرِضَ عن آياتِ الله فإنَّه إنَّما يتهرَّبُ مما يضطرُّهُ إليه الإقرارُ بأنَّها لا يمكنُ أن تكونَ من عند غيرِ الله من وجوبِ اتِّباعِ صراطِ الله. وآياتُ اللهِ هنا هي ما أنزلَهُ اللهُ من كتابِه توراةً وزبوراً وإنجيلاً وقرآناً وصُحُفاً أخرى لا يعلمُها إلا الله، وهي أيضاً معجزاتُه التي أجراها على أيدي أنبيائه وكلُّ ما لم يكن له أن يتجلَّى فيُرى بأُمِّ العينِ لولا أنَّ اللهَ قال للشيءِ إذا أرادَه “كن فيكون”.
فاللهُ تعالى فنَّدَ مزاعمَ كفارِ قريش ودحضَ افتراءاتِهم على قرآنِه الذي لم يكونوا شهوداً على ما ذكرَه من وقائعِ الماضي وأحداثِه حتى يُنكروا عليه حديثَه عنها، كما وليس بمقدورِهم أن يكونوا شهوداً على ما تحدَّثَ به من وقائعِ المستقبل وأحداثِه وهي بعدُ لما يأتي زمانُ وقوعِها وتحقُّقِ حدوثِها. فالقرآنُ العظيم يتحدَّثُ عن ماضٍ لا يملكُ الإنسانُ أن يُنكِرَه، وعن مستقبلٍ لا يمكنُ للإنسان أن يدحضَه ويُفنِّدَه، وذلك طالما لم يكن بمقدورِ هذا الإنسانِ أن يكونَ شاهداً على أيٍّ منهما!