في معنى “بَصائِر” في قَولِ اللهِ تعالى “هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ”

نقرأُ في سورةِ الجاثية، وفي الآية الكريمة 20 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). فما هو معنى “بصائر” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ونتدبَّرَ المواطنَ الأربعةَ الأخرى التي وردت فيها هذه الكلمةُ القرآنيةُ الكريمة:
1- (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (104 الأنعام).
2- (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (203 الأعراف).
3- (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (43 القَصَص).
4- (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) (102 الإسراء).
يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة أنَّ اللهَ تعالى قد جعلَ آياتِه بيِّنةَ الدلالة على أنَّها لا يمكنُ أن تكونَ من عندِ غيرِه، وأنَّه هو مَن أنزلَها وتكفَّلَ بجعلِها مُيسَّرَةً للفهمِ فلا يحتاجُ الأمرُ بعدَها إلى مَن يُبيِّنُها. ويستوي في ذلك ما كان من هذه “الآياتِ البيِّنات” ذو صلةٍ بـ “الكتابِ” الذي أنزلَه اللهُ تعالى توراةً كان أم زبورا، إنجيلاً كان أم قرآنا، وما كان منها ذو صلةٍ بـ “المعجزات” التي أيَّدَ بها اللهُ تعالى أنبياءَه المُرسَلين. فكلُّها آياتٌ “مُبصِرةٌ” أي لا يستعصي على العينِ إبصارُها:
1- (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (12 الإسراء).
2- (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا) (من 59 الإسراء).
3- (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (13- 14 النمل).
فاللهُ تعالى لم يجعل آياتِه عسيرةً على الفهمِ والإدراكِ، وذلك حتى لا يكونَ للناسِ حجةٌ على اللهِ بعدها. فقومُ هود وقومُ صالح، وغيرُهم ممَّن أهلَكَهم اللهُ تعالى بذنوبِهم، قد شهِدوا بأُمِّ أعيُنِهم من “المعجزاتِ البيِّنات” ما كان يكفي ليجعلَهم يؤمِنون برُسُلِهم، ولكنهم آثَروا الانصياعَ لِما تأمرُهم به النفسُ ويُزيِّنُه الهوى عِوَضَ ذلك. فالقومُ كلُّهم جميعاً كانوا “مستبصرين” أي كان بمقدورِهم أن ينظروا إلى آياتِ اللهِ فيُبصِروها ويتبيَّنوها على حقيقتِها أفعالاً لا يمكنُ لِغيرِ اللهِ أن يأتِيَ بها: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (38 العنكبوت).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s