
كانَ سيدُنا موسى في بقعةٍ من الأرضِ عرَّفهُ اللهُ تعالى بها بأنَّها “الوادي المُقدَّس طُوى”: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) (11- 12 طه).
ثم أنَّ اللهَ تعالى سألَ سيدَنا موسى من بعدُ عمَّا كان يحملُه عليه السلام في يدِه: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) (17 طه). فأجابَ سيدُنا موسى بِقَولِه: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (18 طه).
فكانَ أن بيَّنَ اللهُ تعالى لسيدِنا موسى واحدةً من “حقائقِ الوجود” التي ما كان له أن يعرِفَها وحدَه: (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى. قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) (19- 21 طه). فحقيقةُ أي شيءٍ هي ليست ما يظنُّه الإنسانُ، وذلك طالما لم يكن للشيءِ حَولٌ يَحولُ دون أن يُصيِّرَه اللهُ تعالى ما يشاءُ أنَّى يشاء.
ولقد شهِدَ سيدُنا موسى من عَصاه من عجيبِ الأمورِ وغريبِها ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ. قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (115- 118 الأعراف).
2- (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (63 الشعراء).
3- (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (60 البقرة).
وتدبُّرُ ما بين أيدينا من الكتبِ التي حفظت لنا جانباً مما تفتَّقَ عنه المخيالُ الشعبي لكثيرٍ من شعوبِ الأرضِ كفيلٌ بأن يُبيِّنَ لنا أنَّ عصا سيدِنا موسى كانت هي النارَ التي نجمَ عن بعضِ دخانِها التصوُّرُ الشعبي لِما يُمكِّنُ الساحرَ من القيامِ بِسحرِه؛ هذا التصوُّر الذي انبثقَ عنه ما اصطُلِحَ عليه بـ “العصا السحرية”، وأيضاً ما وقرَ لدى قُدامى المشتغلين بعِلمِ الكيمياء (الخيمياء) من ترميزٍ لشعارِ مهنتِهم كان هو الأصلَ الذي انبثقَ عنه شعارُ الصيدلة فيما بعد (العصا التي تلتفُ من حولِها الأفعى)!