
نقرأُ في سورةِ النساء، وفي الآيةِ الكريمة 54 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا). يُذكِّرُ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الكريمة بـ “المُلك العظيم” الذي آتاهُ سيدَنا سليمان؛ هذا المُلك الذي وهبَهُ اللهُ تعالى إياه استجابةً لدعائه عليه السلام: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (35 ص). ودعاءُ سيدِنا سليمان هذا جاء بعدما شهدَه بأُمِّ عينِه من عجيبِ قدرةِ الله وهو يشرعُ بدخولِ “قاعةِ الكرسي”: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) (34 ص).
ولقد ذكرَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بعضاً مما اشتملَ عليه ذلك “المُلك العظيم”، وذلك في الآياتِ الكريمة التي تَلي آيةَ دعاءِ سيدِنا سليمان هذا: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ. وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ. هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (36- 40 ص).
ولقد أشارت سورةُ الأنبياءِ أيضاً إلى ذلك “المُلك العظيم”، وذلك في الآيتَين الكريمتَين 81- 82 منها: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ. وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِين).
وكذلك فعلت سورةُ سبأ في الآيتَين الكريمتَين 12- 13 منها: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ اللهَ تعالى إذ ذكرَ “المُلكَ العظيم” في سياقِ تذكيرِه بفضلِه العظيم على آلِ سيدِنا إبراهيم، فإنَّه إنما كان يخصُّ بالذِّكر “المُلكَ” الذي آتاهُ سيدَنا سليمان. فاللهُ تعالى وإن كان قد اختصَّ بهذا “المُلك العظيم” سيدَنا سليمان، فإنَّ إيرادَه في سياقِ الحديثِ عن عظيمِ فضلِه على آلِ سيدِنا إبراهيم لَيوجِبُ على كلِّ مَن يتدبَّرُ هذه الآيةَ الكريمة أن يؤمنَ بأنَّ اللهَ تعالى قادرٌ على أن يؤتيَ مَن يشاءُ من آلِ سيدِنا إبراهيم ما آتاه سيدَنا سليمان.