
يتباينُ الزمانُ الذي تستغرقُهُ أفعالُ اللهِ حتى ينجمَ عنها مرادُه منها تبايناً بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتذكُّرِ وتدبُّرِ الحقيقةِ القرآنيةِ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى خلقَ السمواتِ والأرضَ في ستةِ أيام: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (من 3 يونس)، والحقيقةِ القرآنيةِ التي بوسعِنا أن نتبيَّنَها بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (40 النحل).
2- (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (47 آل عمران).
3- (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (117 البقرة).
فهذه الآياتُ الكريمةُ تُبيِّنُ لمتدبِّرِها أنَّ فعلَ “كن فيكون” لا يحتاجُ غيرَ لحظةٍ حتى يتحقَّقَ مرادُ اللهِ تعالى منها. واللحظةُ، لغةً، هي طَرفةُ العينِ بين إغماضٍ وانتباه. وخيرُ مثالٍ على ذلك ما شهدَه سيدُنا سليمان بأُمِّ عينَه: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (40 النمل). فالذي عنده علمٌ من الكتاب أتى سيدَنا سليمانَ بعرشِ ملكةِ سبأ “بلمحِ البصر”. و”لمحُ البصر” هو كلُّ ما يقتضيهِ الأمرُ حتى يتمَّ للهِ أمرُه: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50 القمر).
فأفعالُ اللهِ تعالى، غيرُ تلك التي يقضيها اللهُ بـ “كُن فيكون”، بالإمكانِ اتُسميُها “أفعالٌ زمانية”، وذلك لأنَّها تستغرقُ قدراً من الزمانِ قد يمتدُّ ساعاتٍ أو عقوداً أو ملايينَ من السنين، وذلك بالمقارنةِ مع “الزمانِ اللحَظي” الذي هو زمانُ “كن فيكون”. فإذا كان اللهُ تعالى قد خلقَ السمواتِ والأرضَ “في ستةِ أيام” في هذه الحياةِ الدنيا، فإنَّ السمواتِ والأرضَ في الآخرة لن يستغرقَ خلقُهما إلا لحظةً بِعَينِها هي لحظةُ “كن فيكون”:
1- (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (من 77 النحل).
2- (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (من 73 الأنعام).