
تلقَّى سيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أُولى كلماتِ القرآنِ العظيم في “غارِ حِراء”: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (1- 5 العلَق).
وبعدَ سنينَ طِوال من شديدِ القَهرِ وكبيرِ العَناءِ وعظيمِ العذاب على يدِ الذين كفروا من أهلِ قريَتِه، أمرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأن يهاجرَ من أحبِّ بِقاعِ الأرضِ إلى قلبِه الشريف (مكة) إلى يثربَ التي سعى هؤلاءِ الكفرةُ الفجرة إلى الحيلولةِ دون أن يصِلَها، فلاحقوهُ حتى انتهى بهم الأمر إلى “غارِ ثور” الذي ما كان اللهُ تعالى لِيُمكِّنَهم من إبصارِ مَن كان متوارياً عن أعيُنِهم داخله؛ إذ نصرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم وأنزلَ عليه سكينتَه وأيَّدَه بجنودٍ غيرِ مرئيين: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40 التوبة).
فسبحانَ الذي جعلَ رحلةَ “الإسلامِ المحمدي” تمتدُّ ما بين غارَين: من حِراء (غارِ التكليفِ) إلى ثَور (غارِ التمكين)!