
نقرأُ في سورةِ يوسف، وفي الآية الكريمة 76 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ). فما هو معنى “كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ونتدبَّرَ الآيةَ الكريمة 59 من سورةِ يوسف: (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). فسيدُنا يوسف كان يريدُ أن يستخلصَ أخاهُ لنفسِه فيُبقِيَه في مصرَ عنده، ولذلك سأل إخوتَه أن يأتوهُ به. ولم تكن هنالك من وسيلةٍ حتى يتحقَّقَ لسيدِنا يوسف مُرادُه إلا بأن يعمدَ إلى تنفيذِ ما أمرَه اللهُ تعالى به من اتِّهامٍ لأخيهِ بأنَّه “سارق”. فسيدُنا يوسف لم يكن بمقدورِه أن يُبقِيَ أخاهُ في مصرَ عندَه فيُخالفَ بذلك “قانونَ الملك” الذي كان يقضي بألا يُقِيمَ أحدٌ في مصرَ من غيرِ أهلِها إلا بقدرِ ما يقتضيهِ الأمرُ حتى يُتِمَّ ما جاءَ لأجلِه من أمورٍ ذاتِ صلةٍ بالتجارة. فمصرُ وقتَها، وكثيرٌ من البلدانِ المجاورة، كانت تعاني من جفافٍ غيرِ مسبوق صارَ الغذاءُ بموجبِه شحيحاً وبالكادِ يكفي أهلَها الذين ما كانوا ليجتازوا تلك الأزمةَ لولا سيدُنا يوسف الذي سبقَ وأن أشارَ على الملك بما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيتَين الكريمتَين 47- 48 من سورةِ يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ).
فكانت “السرقةُ” هي الحجةَ التي استندَ إليها سيدُنا يوسف لكي يُبقيَ على أخيه في مصرَ عندَه. و”حجةُ التسريق” هذه ما كانت لتخطرَ لسيدِنا يوسف لولا أنَّ اللهَ تعالى هو مَن هداهُ إليها، فكان في ذلك كيدٌ من اللهِ لسيدِنا يوسف حقَّقَ اللهُ له به مُراده.