
نقرأُ في سورةِ يوسف، وفي الآيتَين الكريمتَين 21- 22 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين). فما هو هذا “الحُكمُ” الذي آتاهُ اللهُ تعالى سيدَنا يوسف؟
كلمةُ “الحُكم” في القرآنِ العظيم لها دلالاتٌ ومعانٍ عدة؛ فما كان منها يخصُّ إنساناً ما بِعَينه، فهي موصولةٌ بما بالإمكانِ تبيُّنُه بتذكُّرِ وتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين) (14 القصَص).
2- (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (12 مريم).
3- (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) (من 74 الأنبياء).
4- (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (من 79 الأنبياء).
5- (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (من 21 الشعراء).
6- (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (83 الشعراء).
ف “الحُكمُ” في هذه الآياتِ الكريمة هو “الحكمةُ” التي يُمكِّنُ اللهُ تعالى بها مَن أوتيها مِن فقهِ مرادِه من “الكتاب” الذي أنزلَه على أنبيائه المُرسَلين. ولا علاقةَ للأمرِ بما يتوهَّمُه البعضُ بشأنِ هذه الكلمةِ القرآنيةِ الجليلة من أنَّها ذاتُ صلةٍ بالسياسةِ والرياسة! فكلمةُ “الحُكم” في القرآنِ العظيم لم ترِد في أيِّ موطنٍ بهذا المعنى الدنيوي الذي هو أبعدُ ما يكونُ عن مرادِ اللهِ تعالى.
فـ “الحُكمُ” إذاً في قولِه تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين) هو “الحكمةُ” التي وردت في قولِه تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) (من 34 سورة الأحزاب). فاللهُ تعالى آتى سيدَنا يوسف “حُكماً وعِلما” مكَّنَه بهما من تدبُّرِ وفَقهِ ما كان قد وقرَ لديه من كلامِ اللهِ تعالى الذي أنزلَه على جدِّه إبراهيم، والذي لقَّنَهُ إياه أبوه يعقوب.