
نقرأُ في سورةِ المؤمنون، وفي الآياتِ الكريمة 12- 14 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). فما هو معنى “ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ”؟
تباينت آراءُ المفسِّرين في تبيانِ هذا المعنى. ويدعونا هذا التباينُ إلى وجوبِ إعمالِ الفكرِ اجتهاداً في البحثِ عن معنى آخر غير تلك الآراءِ التي يُناقضُ بعضُها بعضاً. ويستندُ هذا المعنى الآخر إلى تدبُّرِ قَولِ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 59 من سورةِ آل عِمران: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). فالإنسانُ قبلَ أن يقولَ اللهُ تعالى له “كُن فَيكون”، كان خَلقاً فأصبحَ بعدها خَلقاً آخر. وهذا “الخلقُ الآخر” الذي أصبحه الإنسانُ قد جعلَه إنساناً في أحسنِ تقويم: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (1- 4 التين).
غير أنَّ الأمرَ لم ينتهِ عند هذا، إذ تعيَّنَ على الإنسانِ أن يردَّهُ اللهُ تعالى أسفلَ سافلين إذا ما هو اختار الحيودَ عن صراطِ اللهِ المستقيم: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (5- 6 التين). فالذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ هُم الذين اختاروا اتِّباعَ صِراطِ اللهِ المستقيم فكان حقاً على اللهِ أن يرقى بهم إلى ما كان عليه الإنسانُ يومَ خلقَه اللهُ في أحسنِ تقويم.