
نقرأُ في سورةِ الأحزاب، وفي الآيةِ الكريمة 15 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا). فما هو معنى “وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ قَولَ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 34 من سورةِ الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا). فإذا كان اللهُ تعالى قد أمرَ الذين آمنوا بأن يوفوا بالعهدِ الذي يقطعُهُ الواحدُ منهم على نفسِه، فإنَّه لمن نافلةِ القَولِ ألا يألوَ المؤمنُ جَهداً في الإيفاءِ بالعهدِ الذي عاهدَ اللهَ تعالى عليه. فاللهُ تعالى قد امتدحَ عبادَه الذين أوفوا بعهدِهم معه وصدقوا ما عاهدوه عليه:
1- (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (23 الأحزاب).
2- (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (من 10 الفتح).
3- (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) (من 177 البقرة).
فالموفون بعهدِهم مع اللهِ هم الذين صدقوا ما عاهدوه عليه، وهم الذين قال فيهم القرآنُ العظيم إنهم كان لهم في سيدِنا إبراهيم والذين معه أسوةٌ حسنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ.. لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (من 4- 6 الممتحنة). فاللهُ تعالى قد امتدحَ سيدَنا إبراهيم في قرآنِه العظيم بقولِه: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (37 النجم). فسيدُنا إبراهيم قد أوفى “بما عاهدَ عليهُ اللهَ” فكان بذلك أهلاً لأن يصِفَه اللهُ بهذا الوصف (الَّذِي وَفَّى).