
نقرأُ في سورةِ الرحمن، وفي الآيةِ الكريمة 29 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
يُذكِّرُ تدبُّرُ هذه الآيةِ الكريمة بالحقيقةِ القرآنيةِ التي مفادُها أنَّ اللهَ هو وحدَهُ مَن يلتجِئُ إليه مَن في السمواتِ والأرض في كلِّ شأنٍ من شؤونِهم، ملائكةً كانوا أم جِناً أم إنساً أم حيواناً أم نباتاً أم غيرَ ذلك من خَلقٍ لا يعلمُهم إلا الله.
ومن الخطأِ الظنُّ بأنَّ هذه الآيةَ الكريمة تُشيرُ إلى “أنَّ اللهَ هو في كلِّ يومٍ في شأنٍ مختلفٍ من شؤونِه”! فاللهُ تعالى لم يتحدَّث في قرآنِه العظيم عن أيِّ شأنٍ من شؤونِه حتى يذهبَ البعضُ هذا المذهبَ من الظنِّ الواهم! فاللهُ تعالى أنزلَ قرآنَه تِبياناً لكلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه مَن اختارَ أن يتَّبعَ صراطَه المستقيم.
ومن هنا جاءَ تشديدُ الآيةِ الكريمة على أن “لا أحدَ غيرَ اللهِ تعالى يتوجَّهُ إليه مَن في السمواتِ والأرضِ كلَّ يوم يسألونه تدبيرَ أمورِهم وشؤونِهم”. فكلُّ مَن في السمواتِ والأرضِ يسألُ اللهَ، هو وليس أحداً آخرَ غيرَه، عَلِمَ ذلك أم لم يعلم، في أيِ شأنٍ يَعِنُّ له كائناً ما كان هذا الشأن. ويستوي في ذلك مَن أقرَّ بوجودِ اللهِ ومَن أنكر، ومن وحَّدَ اللهَ ومَن أشركَ به. فالمُنكِرون والمُشكِّكون والمشركون كلُّ أولئك جميعاً إنما يسألونَ اللهَ تعالى كلَّ يومٍ وهم لا يعلمون! فاللهُ تعالى هو الذي خلقَ كلَّ ما يتوهَّمُ هؤلاء أنَّه مسؤولُهم الذي إليه يتوجَّهون بطلباتِهم ومسائلهم. واللهُ تعالى هو “الظاهرُ الباطن” الذي إن شاءَ جعلَ فضلَه يدلُّ عليه، وإن شاء تلطَّفَ فاستخفى فظنَّ المشركون والمشكِّكون والملحدون أنَّ اللهَ ليس هو مَن تفضَّلَ عليهم، وهُم لا يعلمون.