
اختلفَ المفسِّرون في تفسيرِ وصفِ اللهِ تعالى لقرآنِه العظيم بأنَّه “لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ” (من 42 فصلت). واختلافُ المفسِّرين هذا إن دلَّ فإنَّما يدلُّ على أنَّ بابَ تدبُّرِ القرآنِ العظيم ليس لأحدٍ أن يُوصِدَه. فاللهُ تعالى قد أمرَ الذين آمنوا بأن يتدبَّروا قرآنَه ودعا إلى تدبُّرِه كلَّ مَن يُشكِّكُ في أنَّ هذا القرآنَ من عنده: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29 ص)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24 محمد)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء).
وبِناءً على ذلك، فليس لأحدٍ إذاً أن يجزمَ بأنَّ معنى قولِه تعالى “لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ” هو ليس ما بالإمكانِ تلخيصُه وإيجازُه بالكلماتِ التالية: “القرآنُ هو كتابٌ لا يمكنُ أن يكونَ من عندِ غيرِ الله، وذلك بدلالةٍ من خلوِّه من كلِّ ما يمكنُ أن يُعزى إلى أحدٍ من خلقِه أما وأنَّه تعالى قد حفظَه فحصَّنَه من أن يكونَ بمقدورِ أحدٍ منهم أن يمسَّه خلالَ رحلةِ تنزُّلِ جبريلَ به من اللهِ تعالى وحتى يتلقَّاهُ رسولُه محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (192- 195 الشعراء)”.