شتانَ ما بينَ عجوزَينِ إحداهما من خيرِ أمةٍ أُخرِجَت للناس والأخرى ردَّها اللهُ أسفلَ سافِلين!

كانت امرأةُ سيدِنا إبراهيم من خيرِ أُمةٍ أُخرِجَت للناس: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (من 110 آل عِمران). فامرأةُ سيدِنا إبراهيم كانت من أهلِ بيتِ اللهِ الحرام، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآيةِ الكريمة 73 من سورةِ هود: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيد).
فشتان إذاً ما بين امرأةِ سيدِنا إبراهيم وامرأةِ سيدِنا لوط التي قال فيها اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) (133- 135 الصافات). فامرأةُ سيدِنا إبراهيم كانت عجوزاً كما كانت امرأةُ سيدِنا لوط، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ قولِه تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (72 هود).
فالأمرُ إذاً لا علاقةَ له من قريبٍ أو بعيد بكونِ الإنسانِ صَبياً أم عجوزاً، ذكراً أم أنثى، وذلك إذا ما تعلَّقَ الأمرُ بحالِ الإنسانِ مع اللهِ تعالى. فأكرمُ بَني آدمَ عند اللهِ تعالى هو أتقاهم له: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (13 الحُجُرات).
فالإنسانُ عند اللهِ تعالى هو قلبٌ وعمل وليس جسماً أو صورة، وذلك مصداقَ قولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: “إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى أجسامِكم ولا إلى صُوَرِكم ولكن ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم”. ونحن نُخطِئُ إذ نُعرِّفُ الإنسانَ بدلالةٍ مما هو ليس بذي دلالةٍ عند اللهِ تعالى. فبَنو آدمَ كلُّهم أجمعون متساوون وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بالنفسِ التي ابتلى اللهُ تعالى بها كلَّ واحدٍ منهم؛ هذه النفسُ التي ما انشغلَ الإنسانُ عنها، وعن مجاهدتِها ومُناصبتِها العداء، إلا وعادَ ذلك عليهِ بما هو كفيلٌ بأن يجعلَهُ يشقى أشدَّ الشقاء في حياتِه الدنيا وفي الآخرة.
لقد أرسلَ اللهُ تعالى أنبياءَه المُرسَلين إلى الإنسانِ برسالةٍ تدعوهُ إلى ألا ينشغلَ عن نفسِه بشيء، وألا ينسى أنَّها هي العدو الذي يتوجَّبُ عليه أن يحذرَه، وألا يُمكِّنَها من عقلِهِ وقلبِه فتشغله عن تأديبِها وتهذيبِها وصولاً إلى الارتقاءِ بها بعيداً عن “أسفلِ سافلين” لتعودَ بعدها إلى ما كانت عليه، يومَ خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ في أحسنِ تقويم، نفساً مطمئنةً آمِنة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s