
استهلَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم دعاءَه يومَ الطائف بالكلماتِ التالية: “اللهُمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي وقِلَّةَ حيلَتي وهَواني على الناس”. وهي مقدمةٌ تُمكِّنُ متدبِّرَها من تبيُّنِ ما كان يقصدُ إليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بدعائهِ الشريفِ هذا. فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم توجَّهَ إلى اللهِ تعالى بهذا الدعاءِ الجليل بعدَ أن نالَهُ ما نالَهُ في رحلتِه إلى الطائفِ من صدودِ وإعراضِ واستهزاءِ وأذى أهلِها؛ هذا الأذى الذي طالَ وجهَهُ الشريف وقدمَيه الشريفتَين.
فمتدبِّرُ دعاءِ الطائف ليس بالعسيرِ عليهِ أن يتبيَّنَ خلوَّهُ من أيِّ ذِكرٍ لِما تعرَّضَ له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من عظيمِ الضُّرِّ وبليغِ الأذى على يَدِ أهلِها. كما أنَّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يتوجَّه إلى اللهِ تعالى بالدعاءِ على أهلِ الطائف، ولم يسأل اللهَ تعالى أن يُعذِّبَهم فيخسِفَ بهم الأرضَ أو يجعلَ السماءَ تُسقِط عليهم كِسَفاً أو حجارةً من سجيلٍ منضود. فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يُحمِّل أحداً مسؤوليةَ ما آلَ إليهِ أمرُهُ وما أصبحَ عليهِ حالُهُ غيرَ نفسِه. فهو صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يسأل اللهَ تعالى غيرَ أن يُنعِمَ عليهِ ويُمِدَّهُ بالعافيةِ: “إن لم يكُن بكَ غضبٌ عليَّ فلا أُبالي ولكنَّ عافيتَكَ أوسعُ لي”. وهذا هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم مناجياً ربَّه الكريم: “لكَ العُتبى حتى ترضى”. فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يرَ فيما نالَه من أهلِ الطائفِ من ضُرٍّ وأذى غيرَ معاتبةٍ من اللهِ له على ما كانَ منه سألَ اللهَ أن يُديمَها ويُبقِيَها حتى يرضى عنه.