
جعلَ اللهُ تعالى آدمَ في الأرضِ خليفة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (من 30 البقرة). فهل ورَّثَ آدمُ الخلافةَ في الأرضِ لبَنيه من بعده؟
قبل أن نشرعَ بالإجابةِ على هذا السؤال لابد وأن نُجيبَ على السؤال التالي: “وهل ورَّثَ آدمُ لبَنيه ما تعيَّنَ عليه أن يُكابدَه جراء أكلِه من الشجرةِ التي نهاهُ اللهُ عنها؟”. فآدمُ كان قد تضرَّرَ بَدَنُهُ ما أن ذاقَ تلك الشجرة. ولقد تجلَّى بعضٌ من ذلك التضرُّرِ، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتذكُّرِ وتدبُّرِ قَولِ اللهِ تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (من 22 الأعراف). كما أنَّ آدمَ قد أصبحَ بعدها مُلزَماً بأن يتعبَّدَ للهِ، وذلك وفقاً لِما سيأمرُهُ به الله. وبذلك فإنَّ الإجابةَ على هذا السؤال سوف تكونُ بالإيجابِ حتماً؛ فأبدانُ بَني آدمَ قد تضرَّرت هي الأخرى جراءَ أكلِ أبيهم آدمَ من تلك الشجرة، وذلك كما يتبدَّى لنا بتذكُّرِ ما أصبحنا عليه من افتقارٍ إلى ما نسترُ به عوراتِنا: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) (من 26 الأعراف). كما أنَّنا أصبحنا مُلزَمين، وذلك من بعدِ أكلِ أبينا آدمَ من تلك الشجرة، بأن نعبدَ اللهَ تعالى وفقاً لما جاءنا به دينُه الذي أرسلَ به أنبياءه المرسَلين، هذا إن أردنا ألا ينتهيَ بنا الأمرُ إلى الشقاءِ في الدنيا والعذابِ الأبدي في الآخرة:
1- (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (123- 124 طه).
2- (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (38- 39 البقرة).
والآن، هل ورَّثَ آدمُ لبَنيه الخلافةَ في الأرضِ من بعده، أما وقد تبيَّنَ لنا أنَّه قد ورَّثَ لِبَنيه ما تعيَّنَ عليه أن يُكابدَه جراء أكلِه من الشجرةِ التي نهاهُ اللهُ عنها؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ بالنفي على هذا السؤال أن نستذكرَ هذا الذي هو عليه السوادُ الأعظمُ من بَني آدمَ من حالٍ مع اللهِ تعالى لا يتوافقُ مع ما ينبغي أن يكونَ عليه حالُ مَن جعلَهُ اللهُ تعالى في الأرضِ خليفة! فكيف يستقيمُ أن يكونَ بَنو آدمَ قد ورثوا عن أبيهم “الخلافةَ في الأرض”، واللهُ تعالى يقول فيهم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (من 41 الروم)؟!