القرآنُ والمعجزات

تقومُ المقاربَةُ المثلى للقرآنِ العظيم على أساسٍ من الإيمانِ بكلِّ ما يشتملُ عليهِ من آياتِ اللهِ تعارضت مع ما تقضي به أحكامُ عقولِنا أم اتفقت. فنحن نجنحُ إلى تحكيمِ عقولِنا في آياتِ اللهِ تعالى؛ فنؤمنُ ببعضٍ ونكفرُ ببعض: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (من 85 البقرة).
فالعقلُ لا يريدُ أن يُصدِّقَ أنَّ هنالك من الوقائعِ والأحداثِ والظواهرِ ما لا قدرةَ له على تفسيره! وهذه هي العلةُ من وراءِ ما تعرَّضَ له أنبياءُ اللهِ المُرسَلون من صدودٍ من قومِهم وإعراضٍ وتكذيب. فالقومُ لم يكن بين أيديهم ما “يفسِّرون به” ما أجراهُ اللهُ تعالى على أيدي أنبيائهم المُرسَلين من معجزاتٍ وخوارقِ عاداتٍ غير أن يصِفوا ما يرونَه من خَرقٍ لِما تقومُ عليه أحكامُ العقلِ بأنَّه سحرٌ سُحِرَت به أعينُهم:
1- (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُون) (14- 15 الحِجر).
2- (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (13 النمل).
3- (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) (36 القصص).
4- (وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ. وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (14- 15 الصافات).
ونحنُ اليومَ لسنا أحسنَ حالاً من آبائنا الأولين في مقاربتِنا لما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم من آياتٍ كريمةٍ وردَ فيها ذِكرُ ما أجراهُ اللهُ تعالى على أيدي أنبيائهِ المُرسَلين من معجزاتٍ وخوارقِ عادات! فنحن إما نُعرِضُ عن ذِكرِ الآياتِ القرآنيةِ التي يَرِدُ فيها ذِكرُ هذه المعجزاتِ وخوارقِ العادات، وإما نقومُ “بتفسيرها” وبما لا يجعلُها تستفزُّ العقلَ بهذا الذي تقومُ عليه من تعارُضٍ مع أحكامِهِ وقواعدِه! وإن نحن فعلنا ذلك فلن نكونَ إلا كأولئك الذين كذَّبوا أنبياءَهم المُرسَلين، وذلك انتصاراً منهم لِما تقضي بهِ أحكامُ العقلِ وقواعدُه؛ هذه الأحكامُ والقواعدُ التي ما نزلَ دينُ اللهِ تعالى إلا ليرتقِيَ بها إلى مصافٍ جديدةٍ تكفلُ لنا أن نُحسِنَ التعامُلَ مع ظواهرِ الوجودِ، مألوفِها وخارقِها، فلا نحكمَ باستحالةِ حدوثِ ما يتعارضُ مع أحكامِ عقولِنا إلا إذا ثبتَ لدينا أنَّه يتعارضُ مع ما جاءنا به دينُ اللهِ تعالى. فنحن نخطئُ إن ظننا وتوهَّمنا أنَّ العقلَ البشري غيرُ مؤهَّلٍ لأن يرتقيَ إلى ما يسمو به فيجعلُهُ أكثرَ قدرةً على التعامُلِ مع ظواهرِ الوجود كافة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s