
أمرَ اللهُ تعالى الذين آمنوا بأن يلزَموا “البِرَّ”، في تعاملاتِهم كلِّها جميعاً، فلا يحيدوا عنه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ولذلك نقرأُ في القرآنِ العظيم: (وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (من 9 المجادلة). فالإنسانُ مجبولٌ على الانصاتِ لِنفسِه التي تزيِّنُ له الحيودَ عن البِرِّ الذي يأمرُهُ به دينُ اللهِ.
ولأنَّ التديُّنَ الحَق بِدينِ اللهِ الحَق لن يتأتَّى للمرءِ الفوزُ به إلا بالمخالفةِ عما تأمرُ به النفسُ ويُزيِّنُه الهوى، كان لزومُ البِرِّ منهاجَ المُحسنينَ من عِبادِ اللهِ تعالى. والمحسنونَ من عبادِ اللهِ تعالى هم المقسطون الذين امتدحهم اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بقولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (من 9 الحُجُرات).
والمقسطونَ هم الذين امتثلوا لما يأمرُهُم به قرآنُ اللهِ تعالى:
1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (8 المائدة).
2- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) (من 135 النساء).
3- (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) (من 127 النساء).
4- (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) (من 152 الأنعام).
5- (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (9 الرحمن).
6- (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) (من 29 الأعراف
ويُخطِئُ كلُّ مَن يظنُّ أنَّ أمرَ اللهِ تعالى للذين آمنوا بألا يحيدوا عن البِرِّ والقسطِ مقصورٌ على أنفسهم في تعاملاتِهم فيما بينهم فحسب! فنحن نقرأُ في سورةِ الممتحنة، وفي الآية الكريمة 8 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). فتدبُّرُ هذه الآيةِ الكريمة يُبيِّنُ لنا أنَّ اللهَ تعالى يُريدُ الذين آمنوا ألا يَقصروا تعامُلَهم بالبِرِّ والقِسطِ على أنفسِهم فحسب. فالذين آمنوا مأمورونَ بأن يَبِرُّوا الناسَ كلَّهم جميعاً ويُقسِطوا إليهم ما لم يخالفوا الشرطَ الذي فصَّلته وبيَّنته هذه الآيةُ الكريمة.