
ما كان الإنسانُ ليهتدِيَ وحدَه إلى سبيلِ الهدى، فيَميزَ الحقَّ من الباطلِ، وإن استعانَ على ذلك بِعقلِه الذي لم يخلقهُ اللهُ مؤهلاً لهكذا أمرٍ اختصَّ به اللهُ نفسَه. فاللهُ تعالى هو مَن خلقَ الإنسانَ وهو مَن تكفَّلَ بهِدايتِه إليه: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) (12 الليل). فالإنسانُ لم يُخلَق لِيهتدِيَ إلى اللهِ بعقلِه أما وقد تكفَّل اللهُ بهِدايتِه.
وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ خطابِ اللهِ إلى البشرِ كلِّهم جميعاً يومَ خاطبَ أبانا آدمَ بُعيدَ أكلِهِ من الشجرةِ التي نهاهُ عنها: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (38- 39 البقرة).
وهو عينُ الخطابِ الذي خاطبَ اللهُ تعالى به بَني آدمَ كلِّهم جميعاً في الآيتَين الكريمتَين 35- 36 من سورةِ الأعراف: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).
ولقد شدَّدَ اللهُ تعالى على هذه الحقيقةِ في مواطنَ قرآنيةٍ عِدة:
1- (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (3 الإنسان).
2- (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (7- 8 الشمس).
ويُعينُ ما تقدَّم على تبيُّنِ المعنى الذي ينطوي عليهِ قَولُ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 10 من سورةِ البلد: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ). فـ “النجدُ” لغةً هو”النهجُ” و”المنهاج”، وهو الطريقُ الذي أشارت إليه العربُ بكلماتٍ أخرى من بينِها: “الفَج”، “السبيل”، “الصِّراط”، و”الجَادة”. فاللهُ تعالى هو مَن فصَّلَ لِبَني آدمَ مَعالِمَ النَّهجِ الذي يتوجَّبُ عليهم سلوكُهُ إذا ما هم أرادوا الفوزَ بالسعادةِ في الدنيا وفي الآخرة.
وكلُّ نَهجٍ غيرُ هذا النهج لن ينتهِيَ بسالِكِه إلا إلى الخُسرانِ المبين في الدنيا والآخرة.