ما الذي كان يريدُهُ سيدُنا محمد صلى اللهُ تعالى عليه وسلم من الله إذ شكا بثَّهُ وحُزنَه إليهِ يومَ الطائف؟

نقرأُ في سورةِ يوسف، وفي الآية الكريمة 86 منها، وصفاً لما كان عليه سيدُنا يعقوب من حزنٍ شديد لِما آلت إليهِ الأمورُ إذ فارقَهُ ثلاثةٌ من أبنائه فلم يجد غيرَ اللهِ تعالى أحداً يتوجَّهُ إليهِ يشكوه بثَّهُ وحُزنَهُ هذا: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ). ذلك أنَّ سيدَنا يعقوب كان قد اشتدَّ بهِ الحزنُ بعد أن أخبرَهَ بَنوهُ بما حدثَ لأخوَيهم الصغير والكبير: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (من 83- 84 يوسف). فسيدُنا يعقوب، إذ توجَّهَ إلى الله يشكوه بثَّهُ وحُزنَه، فإنَّه إنما كان يرجو اللهَ أن يجعلَ له من أمرِهِ فرجاً ومخرجاً، واللهُ قادرٌ وهو على شيءٍ قدير. فكان لسيدِنا يعقوب ما أراد إذ يسَّرَ اللهُ تعالى اجتماعَه ببَنيه كلِّهم جميعاً من جديد.
وهذا الذي كان عليه سيدُنا يعقوب من شديدِ حزنٍ وبالغِ أسى لَيُذكِّرُنا بما كان عليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من عسيرِ حالٍ يومَ الطائف؛ هذا الحالُ الذي بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِنا ما استهلَّ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم دعاءَه يومَها من كلماتٍ تفيضُ حزناً وشجىً وأسى: “اللهُمَّ إليكَ أشكو ضعفَ قوتي وقِلة حيلتي وهواني على الناس…”. فما الذي كان يريدُه سيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من اللهِ إذ شكا بثَّهُ وحزنَه إليهِ بهذه الكلمات؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما حفظَه لنا القرآنُ العظيم من عظيمِ فضلِ اللهِ تعالى على رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بعدَ هذه الكلمات، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتذكُّرِ وتدبُّرِ الآيةِ الكريمة الأولى من سورةِ الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، والآياتِ الكريمة 1- 18 من سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، والتي تُفصِّلُ لنا وتبيِّنُ بعضاً من هذا الفضل العظيم.
فسيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، إذ شكا إلى الله بثَّهُ وحُزنَه، فإنه إنما كان يريد من الله نصراً وفتحاً وفرجاً ومخرجاً ويُسراً من بعدِ كلِّ هذا الذي ألمَّ به من كربٍ وضيقٍ وعُسر. فسيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم كان يعلمُ عِلمَ اليقين أنَّ اللهَ تعالى هو وحده القادرُ على أن يفعلَ له ما يُذهِبُ عنه حُزنَهُ ويُمِدُّهُ بما يجعلُهُ “هو الأعلى”. ولقد كان لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم ما أراد، إذ تجلَّى له مِن نصرِ اللهِ وفتحِه وفرَجِه ويُسرِه ليلةَ الإسراءِ والمعراج ما ليس بالإمكانِ تصوُّرُه من عظيمِ قدرةِ اللهِ وعجيبِ صنائعِه؛ هذه القدرةُ التي تعاظمَت تجلياتُها بعد تلك الليلةِ المباركة معجزاتٍ قاهرة وكراماتٍ باهرة لم تنقطع يوماً بعدها أبداً.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s