
نقرأُ في سورةِ غافر، وفي الآية الكريمة 16 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).
يتوهَّمُ البعضُ أنَّ قولَ اللهِ تعالى في هذه الآيةِ الكريمة يتعارضُ مع قولِه تعالى في الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) (111 الإسراء).
2- (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (من 2 الفرقان).
3- (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (من 13 فاطر).
4- (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (من 6 الزُّمَر).
5- (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (1 المُلك).
6- (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) (من 26 آل عمران).
7- (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) (من 101 يوسف).
وحجةُ القومِ مفادُها أنَّ هذه الآياتِ الكريمةَ تذكرُ ما يُفهَمُ منه أنَّ المُلكَ هو للهِ في هذه الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، فلماذا إذاً وردَ في الآيةِ الكريمة 16 من سورةِ غافر أعلاه ما يُفيدُ بأنَّ المُلكَ الحق هو للهِ يومَ القيامة وليس في هذه الحياةِ الدنيا؟
يُعينُ على دَحضِ وتفنيدِ هذا الاعتراضِ أن نتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) (26 الفرقان).
2- (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُم) (55- من 56 الحج).
3- (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) (من 73 الأنعام).
4- (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) (من 29 غافر).
فاللهُ تعالى هو مالكُ المُلك، وهو الذي يؤتي مُلكَه مَن يشاءُ من عِبادِه في هذه الحياةِ الدنيا، فإذا جاءَ يومُ القيامة فلن يُؤتِيَ اللهُ تعالى فيه أحداً شيئاً من مُلكِهِ. ويومها سوف تنجلي الحقيقةُ ويتبيَّنُ لأولئك الذين توهَّموا الباطلَ حقاً في حياتِهم الدنيا أنَّ المالكَ الحقيقي هو اللهُ الذي لهُ المُلكُ على الحقيقة، وأنَّه هو مَن كان قد آتى المُلكَ في الحياةِ الدنيا لمَن شاءَ من عِبادِه. فاللهُ تعالى قد أقامَ هذه الحياةَ الدنيا على جملةٍ من “الأسبابِ” التي أجازَها بأن تفعلَ بإذنِهِ ما شاءَ لها أن تفعلَه إلى أجَلٍ مسمى، فإذا جاءَ هذا الأجلُ، وقامت الساعةُ، انتفى أيُّ وجودٍ لهذه “الأسباب” ولم يعُد هناك إلا يَدُ اللهِ تفعلُ ما تشاء. ولذلك وصفَ القرآنُ العظيم هذا المشهدَ بدلالةٍ من الكلماتِ القرآنيةِ التالية: “الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ”.