لماذا أسكنَ سيدُنا إبراهيمُ بعضاً من ذُريَّتِهِ في وادٍ غيرِ ذي زرع؟

نقرأُ في سورةِ إبراهيم، وفي الآيةِ الكريمة 37 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). فلماذا أسكنَ سيدُنا إبراهيمُ بعضاً من ذريتِه في وادٍ غيرِ ذي زَرع؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى في الآيةِ الكريمة 96 من سورةِ آل عِمران: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ). فـ “بَكَّة” كانت الموطنَ الذي أقامَ سيدُنا آدمُ فيهِ أولَ بيتٍ لعبادةِ اللهِ تعالى. و”بَكَّةُ” أيامَ سيدِنا آدمَ كانت وادياً ذا زرعٍ كثيرٍ وماءٍ وفير، ولذلك فلم يكن بالمستغربِ أن يأمرَ اللهُ تعالى أبانا آدمَ بأن يُقيمَ فيهِ بيتَه ليكونَ بعدها محجةً للناسِ. فلما أن تقادمَ العهدُ وتطاولَ ببيتِ اللهِ تعالى العُمُرُ، وانقضت آلافٌ من السنين لا يعلمُ مقدارَها إلا الله، جَفَّ ماءُ الوادي وأصبحَ زرعُهُ هشيماً تذروهُ الرياح. فهجرَ الناسُ “بكَّةَ” واندرست آثارُها وتلاشت أخبارُها من بعد أن أصبحت أثراً بعدَ عين.
ثم كان أن أمرَ اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيمَ بأن يتوجَّهَ إلى حيث كانت “بكَّة”. فلما أن جاءها هداهُ اللهُ تعالى إلى حيثُ كان “البيتُ العتيق”: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (26 الحج). ولقد أمرَ اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيم بأن يُبقِيَ بعضاً من أهلِه (زوجَه هاجَر وابنَه اسماعيل) في بكةَ، التي صارت تُعرَفُ بـ “مكة”، وذلك من بعدِ أن أخذت تتوافدُ إليها جموعٌ من الأعرابِ اجتذبهم إليها ماءُ زمزمَ الذي أجراهُ اللهُ تعالى لسيدِنا إسماعيل رحمةً منه به وبأُمِّه وبآناسيَّ كثير.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s