
نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآية الكريمة 61 منها: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ). فلماذا قالَ سيدُنا موسى لقومِه “أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ قَولَ اللهِ تعالى الواردَ في الآيةِ الكريمة 57 من سورةِ البقرة: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). فسيِّدُنا موسى كان يُشيرُ بتوصيفه للمَنِّ والسلوى “بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ” إلى ما يتمايزُ بهِ هذا الطعامُ عن الطعامِ الذي طلبوه. فالمَنُّ والسلوى طعامٌ خلقَه اللهُ تعالى خَلقاً لَدُنياً مباشراً بِقولِه له “كُن فيكون”. والطعامُ الذي طلبَهُ قومُ سيدِنا موسى هو الآخر لا سبيلَ إليهِ إلا بأن يخلقَهُ اللهُ تعالى خَلقاً لدُنياً مباشراً بأن يقولَ له “كُن فيكون”، وذلك إخراجاً له من الأرضِ من دونِ أن يجريَ عليه ما يجري على ما نعرفُ من طعامٍ مماثلٍ لابد له من بَذرٍ وزرعٍ وجَنيٍ وحصاد. فلماذا إذاً قالَ سيدُنا موسى إنَّ المَنَّ والسلوى خيرٌ من الطعامِ الذي طلبَهُ قومُه؟
هنا لابد وأن نستذكرَ حقيقةً لا ينبغي أن تغيبَ عن بالِنا مفادُها أنَّ المَنَّ والسلوى طعامٌ أنزلَهُ اللهُ تعالى على قَومِ سيدِنا موسى لحكمةٍ هو أعلمُ بها، وهو أدرى لماذا يكونُ هذا الطعامُ، دون غيرِه، أنفعَ لهم في رحلتِهم إلى الأرضِ المقدسةِ التي كتبَها لهم. أما ما طلبوهُ هُم من طعامٍ، فهو وإن كانَ ما تشتهيهِ أنفسُهم، فإنه لم يكن لينفعَهم في رحلتِهم الطويلةِ المحفوفةِ بالمخاطرِ تلك.