
وصفَ اللهُ تعالى قرآنَه العظيم بأنَّهُ “كِتابٌ عَزيز”: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (من 41 فُصِّلَت). وعِلَّةُ هذا التوصيفِ بالإمكانِ تبيُّنُها بتذكُّرِ وتدبُّرِ قَولِ اللهِ تعالى في الآية الكريمة 9 من سورةِ الحِجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
فاللهُ تعالى تعهَّدَ بحِفظِ قرآنِه العظيم فجعلَه “عزيزاً” فلا يكونُ بمقدورِ أحدٍ من خَلقِهِ، والحالُ هذه، أن يَطالَهُ فيُغيِّرَ فيه زيادةً عليه أو إنقاصاً منه. ولذلك شدَّدَ اللهُ تعالى على أنَّ قرآنَه العظيم قد نزلَ به جبريلُ الذي وصفَهُ بأنَّه “روحُهُ الأمين”. فسيدُنا جبريلُ هو الذي ائتمنَه اللهُ على قرآنِه العظيم في رحلةِ تنزُّلِهِ منه تعالى إلى رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (192- 195 سورة الشعراء).
فـ “جبريلُ الأمين” هو الذي حملَ أمانةَ القرآنِ العظيم الذي جعلَهُ اللهُ تعالى “عزيزاً” لا يُنالُ، مستعصياً على خَلقِهِ كلِّهم جميعاً فلا قدرةَ لأحدٍ منهم على أن يتعرَّضَ له بُغيةَ تغييرِ ما جاءَ فيه.
ولذلك فنَّدَ اللهُ ودحضَ مزاعمَ وتخرُّصاتِ أولئك الذين شكَّكوا في أنَّ هذا القرآنَ من عندِه تعالى:
1- (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (25 التكوير).
2- (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِين) (103 النحل).
3- (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (5- 6 الفرقان).
فالقرآنُ العظيم “كتابٌ عزيزٌ” حصَّنَهُ اللهُ تعالى فجعلَه لا يُرامُ بسوءٍ ولا يَنالُ من آياتِهِ إنسٌ ولا جان.