
ما الذي ينبغي أن نفهمَهُ من تحذيرِ اللهِ تعالى للذين آمنوا الواردِ في قولِ اللهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) (من 9 المنافقون)؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (من 20 الحديد). فاللهُ تعالى إذ يبيِّنُ للذين آمنوا، بهذا التوصيفِ القرآني، حقيقةَ الحياةِ الدنيا، فإنَّه إنما يريدُهم أن يتبيَّنوا ما سوفَ تضطرُّهم إليهِ هذه الدنيا من انشغالٍ بالتفاخُرِ والتكاثُرِ في الأموالِ والأولاد عن ذِكرِ الله.
وهذا الانشغالُ بالتفاخُرِ والتكاثُرِ بالأموالِ والأولاد، هو ما شدَّدت عليه سورةُ التكاثُر: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) (1- 2 التكاثر). فالناسُ قد زُيِّنَ لهم حبُّ الشهواتِ من كلِّ ما يحرصونَ على التفاخُرِ والتكاثُرِ به فيما بينهم من أمورِ هذه الحياةِ الدنيا: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (14 آل عمران).
ولذلك فلقد حذَّرَ اللهُ تعالى الذين آمنوا من مغبةِ الانشغالِ عن ذكرِه بالتفاخُرِ والتكاثُرِ بالنساء والبنين فيما بينهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (من 14 التغابن).
فإذا كان المالُ والبنونَ زينةَ الحياةِ الدنيا، فما ذلك إلا لأنَّ اللهَ تعالى قد فتنَ أهلَها بهما:
1- (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (28 الأنفال).
2- (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) (46 الكهف).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ تحذيرَ اللهِ تعالى للذين آمنوا من أن تُلهيَهم أموالُهم وأولادُهم عن ذكرِ الله هو في حقيقتِه تحذيرٌ لهم من أن يفاخِرَ بهما بعضُهم بعضاً فيشغلُهم ذلك عن ذكرِ الله.