
أمرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأن يصبرَ “حتى يجيءَ أمرُ الله”:
1- (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (من 109 يونس).
2- (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (من 48 الطور).
3- (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) (من 48 القلم).
فاللهُ تعالى إذ أمرَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأن يصبرَ حتى يَجيءَ أمرُه، فإنَّه إنما كان يُوطِّنُ قلبَه الشريف على التيقُّنِ من الحقيقةِ التي مفادُها أنَّ كونَ هذه الحياةِ الدنيا تجري أحداثُها في تمامِ الانضباطِ والتوافقِ مع جملةِ الأسبابِ التي سبقَ وأن بثَّها اللهُ فيها لا ينبغي أن يجعلَ المرءَ يتوهمُ أن ليس بمقدورِ اللهِ تعالى أن يتدخَّلَ “بصورةٍ مباشرةٍ” لِيحولَ دونَ أن تؤتيَ هذه الأسبابُ أُكُلَها! فـ “بمجيءِ أمرِ الله” لن يعودَ لأسبابِ الحياةِ الدنيا، ذاتِ الصلة، من سلطانٍ يُمكِّنُها من أن تفعلَ فِعلَها الذي خلقَها اللهُ تعالى لتفعلَه. فأمرُ اللهِ تعالى غالبٌ وإن تعارضَ مع ما تنطوي عليهِ هذه الأسبابُ من سابقِ “برنامجٍ إلهيٍّ”:
1- (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (من 21 يوسف).
2- (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (39 الرَّعد).
فأمرُ اللهِ تعالى إذاً غالبٌ على الأمرِ الذي خُلِقت قوانينُ الحياةِ الدنيا وأسبابُها منطويةً عليه. لنتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (40 هود).
2- (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) (58 هود).
3- (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (66 هود).
4- (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُود) (82 هود).
5- (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِين) (94 هود).
6- (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (72- 73 هود).
فالأمورُ لن تبقى على حالِها إذا ما جاءَ أمرُ الله. فالدنيا يظنُّ أهلُها أنَّ أمورَها “مستقرةٌ” بضمانةٍ من القوانينِ والأسبابِ التي تأتَّى لهم أن يحيطوا بها. فإذا جاءَ أمرُ اللهِ تجلَّت السيادةُ المطلقةُ للهِ تعالى على الوجودِ وعلى ما سبقَ وأن بثَّهُ فيه من قوانينِ الحياةِ الدنيا وأسبابِها. وأمرُ اللهِ إذا جاء فإنَّه إنما يجيءُ بتجلِّي القانونِ الإلهي الذي مفادُه أنَّ اللهَ تعالى إذا أرادَ شيئاً فإنما يقول له “كُن فيكون”: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (82 يس).
فالدنيا من بعدِ قَولِ اللهِ “كُن فيكون” لن تعودَ كما كانت قبله. ويُعينُ على تبيُّنِ ذلك أن نستذكرَ ما حدثَ للدنيا بعد أن جاءَ أمرُ اللهِ وتجلَّى جبروتُ “كُن فيكون”! فالتاريخُ من بعدِ “كُن فيكون” لم يعُد التاريخَ نفسَه! ويشهدُ على ذلك طوفانُ سيدِنا نوح، وعبورُ سيدِنا موسى البحر، وهلاكُ قومِ هود وقومِ صالح وقومِ لوط وقومِ شُعيب. ولذلك فإنَّه لمن الخطأ الجسيم أن نتوهَّمَ أنَّ الإنسانَ هو وحدَه مَن يصنعُ التاريخ، وأنَّ صفحاتِ التاريخِ لم تَكتب يَدُ اللهِ تعالى الكثيرَ منها!