
نزلَ روحُ اللهِ الأمينُ سيدُنا جبريل بالقرآنِ العظيم على قلبِ سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بلسانٍ عربيٍّ مبين: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (192- 195 الشعراء).
ولقد دعا اللهُ تعالى الناسَ إلى تدبُّرِ قرآنِه العظيم ليتبيَّنوا أنَّه كتابٌ لا يمكنُ أن يكونَ من عندِ غيرِ الله، فأبى أكثرُهم إلا نفوراً وصدوداً وتمنُّعاً وإعراضاً: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24 محمد).
ولذلك فإنَّ المقاربةَ التفسيريةَ المثلى للقرآنِ العظيم لابد لها وأن تنطلقَ من تدبُّرِ آياتِه الكريمة انصياعاً وامتثالاً لأمرِ اللهِ تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29 ص).
وتدبُّرُ آياتِ القرآنِ العظيم ليس من سبيلٍ إليه إلا بإتقانِ اللسانِ العربيِّ المبين الذي تنزَّلت به. فإتقانُ هذا اللسان يكفلُ لمتدبِّرِ آياتِ القرآن أن يفهمها كما فهمها معاصرو رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم. وهو فَهمٌ ليس له بالضرورةِ أن يتماهى ويتطابقَ مع تلك المقارباتِ التفسيريةِ لقرآنِ اللهِ العظيم التي لم تعتمد لسانَه العربيَّ المبين منطلَقاً لها.
وإذا كان إتقانُ اللسانِ العربي المبين الذي نزلَ به قرآنُ اللهِ العظيم شرطاً لابد منه حتى يتأتَّى للمتدبِّرِ فهمُ آياتِه الكريمة الفهمَ الصائبَ الصحيح، فإنَّ هذا الإتقانَ سوف يتكفَّلُ أيضاً بجعلِ المتدبِّرِ يتعرَّضُ لنفحاتِ هذا القرآن فيتجلَّى له من متجدِّدِ عجائبِهِ ما هو مصداقُ وصفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم له بأنَّه “كتابٌ لا تنقضي عجائبُه”.