
يُخطِئُ كلُّ مَن يظنُّ أنَّ سيدَنا إبراهيمَ كان يحبُّ ذريَّتَه كما يحبُّ الواحدُ منا ذريَّتَه! فسيدُنا إبراهيم كان ذا قلبٍ سليم يعلمُ عِلمَ اليقين أنَّ اللهَ تعالى جامعُ الناسِ أجمعين ليومِ الحسابِ لا ريب فيه. وإيقانٌ كهذا هو ما يُمكِّنُنا من فهمِ ما كان يشغلُ بالَ سيدِنا إبراهيم وهو يتفكَّرُ فيما سيكونُ عليهِ حالُ ذريَّتِه من بعدِه مع اللهِ تعالى. ولذلك سألَ سيدُنا إبراهيم اللهَ تعالى أن يجعلَ “إمامةَ الناسِ” في ذريَّتِه، وذلك بعد أن أبلغَهُ اللهُ تعالى بأنَّه جاعلُه للناسِ إماماً: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (124 البقرة).
وانشغالُ سيدِنا إبراهيمَ بذُريَّتِه، وبما سيكونُ عليه حالُهم مع اللهِ تعالى من بعدِه، هو ما حدا به لأن يسألَ اللهَ تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (40 إبراهيم).
ويشهدُ على هذا الإنشغالِ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِنا ما حفظَه لنا قرآنُ اللهِ العظيم من وصيةِ سيدِنا إبراهيم: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (131- 132 البقرة).
وبلغَ هذا الانشغالُ مبلغَه بدعاءِ سيدِنا إبراهيمَ اللهَ تعالى بأن يبعثَ في ذريَّتِهِ رسولاً منهم هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) (129 البقرة).
كما ويشهدُ لانشغالِ سيدِنا إبراهيمَ بذُريَّتِه، التي أسكنَها في وادي مكةَ، دعاؤه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (37 إبراهيم).