
نقرأُ في سورةِ العنكبوت، وفي الآيتَين الكريمتَين 48- 49 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ). فما هو معنى “بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ”؟
تتحدَّثُ هذه الآيةُ الكريمة عما كان يضمُرُهُ علماءُ أهلِ الكتاب في صدورِهم من الكتابِ مما لم يكن بمقدورِ أحدٍ من “الأُميين” من أهلِ مكةَ المكرمة أن يطَّلعَ عليه. ومن هؤلاءِ (الأميين) كان سيدُنا محمد “النبيُّ الأُمِّي” والذي لم يكن بوسعِهِ، بالتالي، أن يعرفَ شيئاً مما أضمرَهُ هؤلاءِ العلماءُ في صدورِهم. وبهذه الحجةِ البالغة دحضَ اللهُ تعالى مزاعمَ كفارِ قريش الذين ادَّعوا بأنَّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم قد استقى ما خرجَ به عليهم ممن كان في مكةَ المكرمة من أهلِ الكتاب. فاللهُ تعالى ذكَّرَ كفارَ قريش بأنَّ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يقرأ كتاباً من كتبِ أهلِ الكتاب ولم يخط بيمينه نُسخاً عنه حتى يكونَ بوسعِه أن يطَّلِعَ على ما وردَ فيها!
فما جاءَ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من العلم كان يماثلُ ما كان مكنوناً في صدورِ علماءِ أهلِ الكتاب من معاصريه، وذلك لأنه صادرٌ عن ذاتِ المصدر وهو اللهُ تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٥٧ الأعراف).