
نقرأُ في الآيةِ الكريمة 82 من سورةِ الكهف: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي). وهذه الكلماتُ الكريمة هي ما حفظتهُ لنا هذه الآيةُ الكريمة من قَولِ “العبد الصالح” وهو يختَتِمُ تأويلَه لِما توهَّمَهُ سيدُنا موسى خروجاً على شَرعِ اللهِ تعالى وتعدِّياً على حدودِه وهو ينظرُ بأُمِّ عَينَيه إلى ما فعلَه هذا العبدُ الصالحُ مع السفينةِ، ومع الغلامِ، ومع الجدار. فالعبدُ الصالحُ بيَّنَ لسيدِنا موسى أنَّ ما صدرَ عنه من فعلٍ لم يكن “عن أمرِه”، ولم يفعله من تلقاءِ نفسِه، ولكنه فعلَ ما فعلَ مؤتمِراً بأمرِ اللهِ تعالى.
وأمرُ اللهِ تعالى هو ما ينبغي أن نقرأَ به ونتدبَّرَ ما فعلَه أنبياءُ اللهِ المُرسَلون من أفعالٍ قد تبدو للناظرِ إليها مما لا يستقيمُ مع المنطقِ ولا يتَّفقُ مع ما تقضي بهِ أحكامُ العقلِ وقواعدُه. فسيدُنا إبراهيم، إذ انهالَ على أصنامِ قومِه “ضرباً باليَمين”، لم يفعل ذلك من تلقاءِ نفسِه ولا “عن أمرِه”. فاللهُ تعالى هو الذي أمرَه بفعلِ ما فعل، فما كان منه عليه السلام غيرَ أن يمتثلَ لأمرِ اللهِ ويفعلَ ما أمرَهُ به الله: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (57- 70 الأنبياء).