
نقرأُ في سورةِ المائدة، وفي الآيةِ الكريمة 2 منها، قولَ اللهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ). فما معنى “شعائر الله” في هذه الآيةِ الكريمة؟
بدايةً لابد من التذكيرِ بأنَّ “شعائر الله” قد وردَ ذكرُها في غيرِ هذا الموطنِ الكريم من القرآنِ العظيم ثلاث مرات:
1- (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32 الحج).
2- (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (من 36 الحج).
3- (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (من 158 البقرة).
و”شعائرُ الله” الواردةُ في هذه المواطنِ الثلاث تنطوي على المعنى ذاته؛ وهو غيرُ المعنى الذي تنطوي عليه في الآيةِ الكريمة 2 المائدة أعلاه، والذي إن نحن أردنا أن نتبيَّنَه فلابد لنا من أن نستذكرَ بعضاً مما توارثَته الأعرابُ أباً عن جَد وصولاً إلى ماضٍ موغلٍ في القِدَم غيرِ بعيدٍ عن زمانِ سُكنى ذريةِ سيدِنا إبراهيم في وادٍ غيرِ ذي زرعٍ في مكةَ المكرمة. فقدامى الأعرابِ كانوا إذا ما عقدوا العزمَ على الحجِّ إلى بيتِ اللهِ الحرام سيَّروا هَديَهم من الإبلِ والأغنامِ والماعزِ أماماً منهم، وذلك من بعدِ جَدلِ أشعارِ الماعزِ منها جدائلَ يقومون بتلوينِها ألواناً شتى.
ولقد نهى اللهُ تعالى الذين آمنوا عن التعاملِ مع هذه الطائفةِ من الأعراب بفظاظةٍ وقسوة لا يجدرُ بمن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يتخلَّقَ بهما، ومن ذلك ما كان يقومُ به البعضُ من نَهرٍ وزَجرٍ لهم وتضييقٍ عليهم، وذلك بإرغامهم على أن يُحِلُّوا ما كانوا قد جدلوه من شعائرِ (أشعارِ) ماعزِهم. ثم أنَّ اللهَ تعالى شدَّدَ على أمرِهِ هذا بأن وصفَ تلك الشعائرَ بـ “شعائر الله”، وذلك حتى يتهيَّبَ القومُ عن التعرُّضِ لأولئك الأعراب.
وليس في هذا ما قد يستثيرُ حفيظةَ البعض؛ فاللهُ تعالى كان قد وصفَ ناقةَ سيدِنا صالح بأنها ناقتُه هو، فقال عزَّ مَن قائل: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73 الأعراف).