في معنى قَولِهِ تعالى “مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ”

نقرأُ في سورةِ هود، وفي الآيةِ الكريمة 108 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ). فما هو معنى “مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى: (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (من 128 الأنعام). فالخلودُ الأبدي في نارِ جهنم حقيقةٌ قرآنيةٌ لا يُماري فيها إلا مَن لا يُحسِنُ تدبُّرَ القرآنِ العظيم! فكلمةُ “إلا” في قَولِ اللهِ تعالى “إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” هي ليست بذات المعنى الذي تنطوي عليه كلمة “إلا” في قَولِ اللهِ تعالى: (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (من 11 الأعراف).
فكلمة “إلا” في قَولِ اللهِ تعالى “إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ” تعني “إلى”. وبذلك يكونُ معنى قولِ اللهِ تعالى هذا هو: “إلى مَا شَاءَ اللَّهُ”، أي إلى ما لا نهاية. وهكذا فإنَّ معنى قَول الله تعالى “مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ” هو “مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إلى مَا شَاءَ رَبُّكَ”، أي إلى ما لا نهاية.
فلا يُعقَلُ على الإطلاق أن يكونَ مكوثُ “الذين سُعِدوا” في الجنة مُقيَّداً ومشروطاً بـ “إلا” فلا يكونُ والحالُ هذه أبدياً، وذلك كما يلزمُ لا محالةَ عن الإصرارِ على أن يُقرأَ قَولُ اللهِ تعالى هنا قراءةً قواعدية! فالإصرارُ على هذه القراءةِ القواعديةِ يُحتِّمُ علينا وجوبَ أن نقولَ بأنَّ “الذين شَقوا” لن يُخلَّدوا في نارِ جهنمَ أبدَ الآبدين، وذلك إذا ما نحنُ قرأنا وفقاً لها الآيتَين الكريمتَين التاليتَين: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (106- 107 هود).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s