
أكرمُ بَني آدمَ عند اللهِ تعالى أتقاهم له: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (من 13 الحُجُرات). وهذا قانونٌ إلهيٌّ سارٍ في بَني آدمَ كلِّهم جميعاً عرباً وأعاجِمَ، نساءً ورجالاً، وذلك مصداقَ قَولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: “لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى. النَّاسُ من آدم، وآدمُ من ترابٍ”.
فتقوى اللهِ تعالى إذاً هي مِعيارُ التفاضُلِ بين بَني آدم. ولذلك فإنَّ امرأةَ العزيز هي أكرمُ عندَ اللهِ تعالى من السَّامري، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ ما حفِظَهُ لنا القرآنُ العظيم مما وردَ على لسانِ كلٍّ منهما. فامرأةُ العزيز أقرَّت بذنبِها على المَلأ: (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ. وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (من 51- 53 يوسف).
فامرأةُ العزيز لم تنتصر لنفسِها على الحق ولكنَّها انتصرت للحق من نفسِها. وهذا هو حالُ مَن اتَّبَعَ هَديَ الله ونهى نفسَهُ عن الهوى. وهي بهذا الحالِ عند اللهِ أكرمُ من السامري الذي أضلَّه اللهُ على عِلم: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ. قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي. قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ) (95- من 97 طه). فالسامريُّ لم يرِد على لسانِه ما يفيدُ بأنَّهُ قد تبيَّنَ أنَّه قد اقترفَ ذنباً عظيماً وإثماً مبيناً إذ أضلَّ قومَ سيدِنا موسى وزيَّنَ لهم أن يُشرِكوا باللهِ تعالى، وذلك بأن يتَّخذوا العجلَ إلهاً من دون الله.