أسماءٌ ليس كمثلِها أسماء وكلماتٌ ليس كمثلِها كلمات!

للهِ تعالى أسماءٌ سمَّاها قرآنُه العظيم “الأسماءَ الحسنى”: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (22- 24 الحشر)، (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (8 طه).
وتتجلَّى عَظَمةُ اللهِ تعالى في هذه “الأسماءِ الحسنى” التي لن يكونَ بالعسيرِ على كلِّ مَن يتدبَّرُها أن يتبيَّنَ ما تَشي به من تَعالٍ للهِ تعالى وتسلُّطٍ على مخلوقاتِه كلِّها جميعاً. فاللهُ تعالى هو المتحكِّمُ بكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من تفاصيلِ هذا الوجودِ وأحداثِه تحكُّماً لا مناصَ من الإقرارِ به طالما كان اللهُ تعالى هو وحدَه الغني المستغني عن مخلوقاتِهِ كلِّها جميعاً. فكلُّ ما يتَّصِفُ به هذا المخلوقُ من مخلوقاتِ اللهِ تعالى أو ذاك، من حياةٍ أو قوةٍ أو غِنىً أو حنانٍ ورحمة، إنما هو من عندِ اللهِ تعالى الذي يمنُّ بهذه الصفاتِ وغيرِها على مَن يشاءُ من مخلوقاتِه ويُسبِغُ عليها أنعُمَه “إعارةً” منه إلى أجلٍ مسمى. فكلُّ شيءٍ لا قيامَ حقيقياً له إلا بالله الذي هو وحدَه القائمُ بذاتِه والذي تفتقرُ إليه كلُّ مخلوقاتِه.
ولقد كفلَ اللهُ تعالى لكلِّ مَن يتدبَّرُ أسماءَه الحسنى أن يُدركَ هذا الذي هو عليهِ من افتقارٍ إلى الله. ولذلك أمرَ اللهُ تعالى عبادَه الذين آمنوا بأن يدعوهُ بأسمائه الحسنى:
1- (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (من 180 الأعراف).
2- (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (من 110 الإسراء).
وإذا كان كلُّ ما في الوجودِ يفتقرُ إلى اللهِ تعالى افتقاراً يُبرهِنُ عليهِ عجزُهُ عن أن يكونَ له قيامٌ بغيرِ الله، فإنَّ العاقلَ الحصيفَ لا يملكُ غيرَ أن يتوجَّهَ إلى اللهِ تعالى ليدعوَهُ بهذه الأسماءِ الحسنى التي تُذكِّرُ كلَّ مَن يتدبَّرُها بحقيقةِ افتقارِه إلى الله؛ هذه الحقيقةُ التي يحرصُ الشيطانُ على أن يجعلَ الإنسانَ يغفلُ عنها، وذلك بأن يُزيِّنَ له الالتجاءَ إلى مَن يُوهِمُه أنَّ بوسعِه أن يُعينَه ويُنجِدَه فيُنسيَه بذلك أنَّ كلَّ ما خلا الله هو مجردُ أسماءٍ ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان: (أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (من 71 الأعراف)، (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (من 40 يوسف).
فشتانَ إذاً بين “أسماءِ اللهِ الحسنى”، التي لا قيامَ للوجودِ إلا بها، وبين أسماءٍ لا حولَ لها ولا قوة ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان.
وكما أنَّ للهِ أسماءً ليس كمثلِها أسماء، فإنَّ له تعالى كلماتٍ ليس كمثلِها كلمات. وكلماتُ اللهِ تعالى هذه قد كشفَ لنا القرآنُ العظيم عن حقيقةٍ بشأنِها مفادُها أنَّها “كلماتٌ لا تنفد”:
1- (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (27 لقمان).
2- (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (109 الكهف).
وكلماتُ اللهِ هذه، التي لا تنفد، هي كلُّ ما يخلُقُه اللهُ تعالى بقولِه للشيءِ إذا أرادَه “كن فيكون”: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (82 يس). فاللهُ تعالى قد خلقَ الوجودَ وأقامَه وأدامَه إلى أجلٍ مسمى، وذلك بما بثَّه فيه من قوانينَ وأسباب. واللهُ تعالى قادرٌ، إن شاء، على أن يُظهِرَ إلى الوجودِ موجوداتٍ من خارجِ سياقِ هذه القوانينِ والأسبابِ بـ “كن فيكون”.
فسبحان اللهِ الذي له “كلماتٌ” تظهرُ بها إلى الوجودِ موجوداتٌ من خارجِ سياقِ ما بثَّه فيه من قوانينَ وأسباب.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s