
نقرأُ في سورةِ النجم، وفي الآيةِ الكريمة 24 منها، قَولَ اللهِ تعالى (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى). فما الذي يعنيه قَولُ اللهِ تعالى هذا؟
بدايةً لابد وأن نتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى هذا في سياقِه القرآني: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (24- 25 النجم). فاللهُ تعالى يُنكِرُ على الإنسانِ قَولَه الذي بوسعِنا أن نتبيَّنَه واضحاً جَلياً بتدبُّرِنا الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (35- 36 الكهف).
2- (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (من 78 القَصَص).
3- (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) (من 49 الزُّمَر).
4- (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (66 مريم).
5- (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (29 الأنعام).
6- (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) (من 24 الجاثية).
فللإنسانِ أن يقولَ في هذه الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ ما يشاء، ولكنَّ القَولَ الحَق للهِ الذي يعرفُ ما لا يعرفُه الإنسانُ الذي يُصدِّقُ بما توهِمُه به نفسُه من “أنَّ هذه الحياةَ الدنيا هي كلُّ ما هنالك، وألا آخرةَ هناك”!
وهذا الذي يُنكِرُهُ اللهُ تعالى على الإنسانِ قد شدَّدَ عليه القرآنُ العظيم في مواطنَ منه عديدة:
1- (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (123- 124 النساء).
2- (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (14 الحديد).
3- (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّون) (78 البقرة).
4- (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (111 البقرة).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّمَ من آياتٍ كريمة، أنَّ الإنسانَ ليس له ما يتمنَّى، إذ أنَّه لا يحقُّ له أن يقولَ في أيِّ شيءٍ ما يشاء، فالقَولُ الفَصلُ هو للهِ الذي هو وحدَه مَن يملكُ أن يقولَ في أيِّ شيءٍ خلَقَه ما يشاء. فأنَّى للإنسانِ أن يقولَ في دُنياهُ أو أُخراهُ ما يشاء وهو ليس إلا مخلوقٌ لم يُقدِّر اللهُ تعالى له غيرَ أن يُحيطَ بقَدرٍ محدودٍ من العلمِ بظاهرِ دُنياه؟! فإذا كان الإنسانُ لم يُقدَّر له أن يُحيطَ إلا بنَزرٍ يَسيرٍ من ظاهرِ هذه الحياةِ الدنيا، فكيف يتجاسرُ إذاً على أن يقولَ في الآخرةِ ما توهِمُه به حواسُّه من ألا وجودَ لِما لا يُرى له أثرٌ ولا يُسمَعُ له حِس؟!