
نقرأُ في سورةِ الحُجُرات، وفي الآيةِ الكريمة 13 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فإذا كان أكرمُ الخلقِ عند اللهِ تعالى هو أتقاهُم له، فمَن هو “أتقى الخَلقِ” إذاً؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى. لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى. وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى. وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (14- 21 الليل). فحالُ أتقى الخلقِ مع اللهِ تعالى بالإمكانِ تبيَّنُه، وذلك في قَولِ اللهِ تعالى: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى. وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى).
وهذا التوصيفُ القرآني لحالِ الأتقى مع اللهِ تعالى لَيُذكِّرُنا بتوصيفٍ قرآنيٍّ آخرَ له: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (8- 9 الإنسان).
فأتقى الخَلقِ للهِ إذاً هو الذي لا يقصدُ بعبادتِه اللهَ أحداً إلا الله، فلا يتعبَّدُ “رئاءَ الناسِ” وذلك حرصاً منه على أن يُرِيَهم ما هو عليه من حالٍ مع اللهِ تعالى:
1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (من 264 البقرة).
2- (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (38 النساء).
3- (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (من 47 الأنفال).
فحالُ “الأتقى” مع اللهِ تعالى إذاً هو حالٌ لا يقوى عليه مَن كانَ حريصاً على أن يظنَّ الناسُ به خِلافَ ما هو عليه! فحالُ أتقى الخَلقِ مع اللهِ قد منَّ اللهُ به عليه، وذلك لأنَّه اتَّقى اللهَ حقَّ تُقاتِه فأيقنَ أن ليس هنالك مَن يرجو مرضاتَه ويبتغي رضاهُ إلا الله مادامَ الكُلُّ مُحاسَباً يومَ القيامةِ أمامَ الله.