
لنتدبَّر الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (99 الحجر).
2- (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (46- 47 المدثِّر).
هل تنطوي كلمةُ “اليقين”، حيثما وردت في هذه الآياتِ الكريمة، على معنىً آخرَ غيرِ الذي تنطوي عليه حيثما وردت في الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (95 الواقعة).
2- (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (51 الحاقة).
3- (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ. ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (5- 8 التكاثر).
يُعينُ على الإجابةِ بالنفي على هذا السؤال أن نتدبَّرَ الآيتَين الكريمتَين التاليتَين:
1- (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (من 22 سبأ).
2- (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (من 157 النساء).
فكلمة “اليقين” إذاً ليس لها غيرُ معنىً واحدٍ حيثما وردت في قرآنِ اللهِ العظيم، وهو انتفاءُ الشكِّ وانقطاعُ الرَّيب. ولو أنَّ أولئك الذين زعموا أنَّ لكلمةِ “اليقين” معنىً آخرَ في قرآنِ اللهِ العظيم (وهو الموت) تَريَّثوا وأنصفوا لتبيَّنَ لهم ألا موجبَ هنالك على الإطلاق لإطلاقِ هذا الزعم! فمعنى كلمة “اليقين” في الآيةِ الكريمة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) لا يختلفُ عن معناها الذي تُبيِّنُه لنا الآيتان الكريمتان: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)، (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)، وهو انتفاءُ الشَّكِّ وانقطاعُ الرَّيب. فاللهُ تعالى أمرَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، وكلَّ مَن كان له في رسولِ الله صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أسوةٌ حسنة، بأن يعبدَه وذلك حتى يأتِيَهُ اليقين الذي ينتفي عنده الشك وينقطعُ بذلك الريب. ولا علاقةَ للأمرِ، من قريبٍ أو بعيد، بما ذهب إليه هؤلاء من أنَّ معنى هذه الآيةِ الكريمة ينطوي على أمرِ اللهِ تعالى القاضي بوجوبِ أن تمتدَّ العبادةُ حتى الموت.
وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيتَين الكريمتَين: (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ). فالكفارُ يومَ القيامة، ومن بعدِ أن يُرَوا الجحيم، سوف يتبيَّنُ لهم أنَّ ما سبقَ وأن وعدَهم رُسُلُ اللهِ تعالى به هو الحقُّ المبين. فرسُلُ اللهِ تعالى كانوا قد أبلغوا قومَهم بما أُنزِلَ عليهم من أنَّ اللهَ يتوعَّدُ الكافرين بنارِ جهنم وبئس المصير.
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، ألا معنى آخرَ هنالك لكلمةِ “اليقين” في القرآنِ العظيم غيرُ ما تستدعيه إلى الأذهان من معنى مما هو ذو صلةٍ بانتفاءِ الشكِّ وانقطاعِ الرَّيب.