هل بمقدورِ الإنسانِ وحدَه أن يستَدِلَّ على الآخرةِ بمعزلٍ عما جاءهُ بِشأنِها دينُ اللهِ تعالى؟

يُجادِلُ البعضُ في عقلِ الإنسانِ تضخيماً له وتعظيماً لا يليقانِ به! فأنَّى لعقلِ الإنسانِ أن يُقالَ فيه ما يقولُهُ مُعظِّموه من أنَّه قادرٌ على أن يُحيطَ بما لم يُخلَق ليُحيطَ به؟! فاللهُ تعالى خلقَ الإنسانَ بعقلٍ محدودِ القدراتِ مُحدَّداً بما تأتيه به حواسُّه التي ما كان لها أن تتعرَّفَ إلى الوجودِ إلا بما قُدِّرَ لها أن تُحيطَ به سلفاً. فالإنسانُ لا يحتاجُ أن يعلمَ من الوجودِ إلا ما كان ذا نفعٍ له وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بما خُلِقَ ليفعلَه فيه. وحواسُّ الإنسانِ خُلِقت لتُعينَه على أن يقومَ بما خُلِقَ لأجلِه. ولذلك لم يكن بمقدورِ الإنسانِ أن يعلمَ من الوجودِ ما هو ليس بحاجةٍ إلى العلمِ به. فاللهُ تعالى لم يُيَسِّر لحواسِ الإنسانِ أن تُحيطَ إلا بما هو ذو نفعٍ له. ولذلك استحالَ على الإنسانِ أن يُحيطَ بما غُيِّبَ عنه من مفرداتِ الوجودِ وأحداثِه: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (من 6- 7 الروم).
فالإنسانُ وحدَه عاجزٌ عن أن يتبيَّنَ أنَّ هنالك “حياةً أخرى” غيرَ هذه الحياةِ التي لا تعرفُ حواسُّه سواها. وهذا ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه فيما حفظه لنا قرآنُ اللهِ العظيم مما قالَه الذين أرسلَ اللهُ تعالى إليهم رُسُلَه مبشِّرين بالجنة ومنذرين من النار:
1- (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (49 الإسراء).
2- (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ. إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (35- 37 المؤمنون).
3- (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (24 الجاثية).
فلو كانَ الإنسانُ قادراً حقاً على أن يتبيَّنَ هذه “الحياةَ الأخرى”، بمعزلٍ عما جاءه بشأنِها دينُ اللهِ تعالى، فلماذا إذاً لم يؤمن بالآخرةِ إلا نفرٌ قليلٌ من الناس؟! لقد آنَ الأوان لِنُعيدَ النظرَ في تصوراتِنا عن العقل الذي بالغنا في تقديرِه، وذلك حتى يتأتَّى لنا أن نقدِرَ اللهَ حقَّ قدرِه، وذلك حتى لا نبخسَ قدرَ دينِ اللهِ الذي لولاه ما كان لنا أن نعلمَ أنَّ لنا إلهاً هو الله جامعُ الناسِ ليومِ القيامةِ لا ريبَ فيه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s