
يتوهَّمُ الإنسانُ أنَّ عقلَه لا يقولُ إلا الحق ولا ينطِقُ إلا بالحقيقة! ولقد عادَ هذا الوهمُ على الإنسانيةِ بما بإمكانِنا أن نتبيَّنَه بإطلالةٍ خاطفةٍ على واقعِ حالِ العالَمِ اليوم، والذي تشهدُ مُجرَياتُ وقائعِه وأحداثِه على ما أظهرَهُ الإنسانُ فيه من فوضى وفساد! وإن ظنَّ أحدٌ أنَّ عالَمَ الأمسِ كان أفضلَ حالاً من عالَمِ اليوم، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بالحروبِ والنزاعاتِ وضروبِ الفسادِ المستشري في كافةِ الربوعِ والأصقاع، فما عليه غير أن يلتجِئَ إلى كتبِ التاريخ ليتبيَّنَ له بتدبُّرِ نزرٍ يسيرٍ من صفحاتِها صِدقَ مَن قالَ في الإنسانِ “الناسُ كالناسِ والأيامُ واحدة”!
وحقيقةٌ كهذه ما كان لها ألاَّ تجِدَ في القرآنِ العظيم ما يشهدُ لها بأنها حقٌّ لا يُماري فيه إلا مجادلٌ أو جهول. فاللهُ تعالى تهكَّمَ على أولئك الذين تبدَّلوا ظنونَ العقلِ وأوهامَه بالحقِّ المبين الذي جاءهم به قرآنُه العظيم، وذلك في مواطن منه كثيرةٍ يكفينا أن نتدبَّرَ بعضاً من كلماتِها الكريمة لنتبيَّنَ الضلالَ مُبين الذي يرزحُ فيه مَن كان هذا هو حالَه مع اللهِ تعالى:
1- (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (من 35 يونس).
2- (أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون) (من 59 النحل).
3- (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (154 الصافات).