
إن تعجَب فعجَبٌ قولُ مَن أشاعوا فينا زَعماً مفادُه أنَّ الإنسانَ صنيعةُ الطبيعةِ ونِتاجُ ما جرى له وفقاً لقوانينِها! فكيف فاتَ هؤلاءِ الذين يُفاخرون الناسَ بأنَّ دَيدَنَهم هو اتِّباعُ “المنهجِ العِلمي”، والالتزامُ بما يقتضيه ويوجِبُه من ضوابطَ ومُحدِّداتٍ، أنَّ الفارقَ بينَ الطبيعةِ وما هي عليه من “نظام”، وبين الإنسان وما هو عليه من “فوضى”، كبيرٌ وإلى الحدِّ الذي لا يُجوِّزُ لِمَن كان ذا عقلٍ سليم القولَ بأنَّ “الإنسانَ صنيعةُ الطبيعةِ ونِتاجُها”؟!
فلو كان الإنسانُ نِتاجَ الطبيعةِ وصَنيعتَها حقاً، فهل كان عالَمُه ليُصبِحَ “فوضوياً” وبما لا يتناسبُ على الإطلاق مع أصلِه الطبيعي المزعوم هذا؟! ففوضويةُ الإنسانِ دليلٌ قاطعٌ بأنَّ أصلَه لا يمكنُ أن يكونَ كما يزعمُ مَن لم يُكلِّف نفسَه عناءَ تبيُّنِ ما يتمايزُ به الإنسانُ عن الطبيعةِ التي لا تعرفُ الفَوضى! فالفوضى، إذ هي انتفاءُ وجودِ النظام، لا مكانَ لها في عالَمِ الطبيعةِ الذي لو أنَّه كان مُباحاً لها أن تفعلَ فيهِ ما فعلتهُ في عالَمِ الإنسان لَما كان لهذه الطبيعةِ أن توجدَ أصلاً ولَما كان للإنسانِ بالتالي أن ينشأ عنها أبداً!