
يُحدِّدُ “السياقُ القرآني” معنى كلِّ كلمةٍ من كلماتِهِ التي يشتملُ عليها؛ فإن شاءَ أبقى على معناها الذي تواضعَ الناسُ عليه، وإن شاء أسبغَ عليها وأكسبها “معنىً آخر” ما كانت لتنطوِيَ عليه لولاه. ومن ذلك ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِه تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) (من 45 الفرقان). فالكلمةُ القرآنيةُ “مَدَّ” في هذا السياق تنطوي على غيرِ المعنى الذي تنطوي عليه في قولِه تعالى (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) (من 3 الرعد). فالعبارة القرآنية “مدَّ الأرضَ” تعني “سطَحها”، أي بسَطَها: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (20 الغاشية). ولذلك كانت “البسيطة” واحدةً من أسماء الأرض، ولذلك أيضاً نقول “سطح الأرض”.
أما معنى كلمةِ “مدَّ”، في قولِه تعالى “مدَّ الظِّلَّ”، فهو “حرَّكَ ما كان ساكناً”. فاللهُ تعالى هو الذي يُحرِّكُ الظِّلَّ فيجعلُه يُلاحقُ صاحبَه إذا ما تحرَّك وفارقَ السكونَ الذي كان عليه، ولو شاءَ اللهُ لجعلَ الظِّلَّ ساكناً غيرَ متحركٍ فلا يكونُ بمقدوره أن يُلاحقَ صاحبه إذا ما فارق سكونَه وتحرَّك: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) (45 الفرقان).