
نقرأُ في سورةِ الفرقان، وفي الآيةِ الكريمة 45 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا). فما الذي يُريدُنا اللهُ تعالى أن نتبيَّنَه إذا ما تدبَّرنا هذه الآيةَ الكريمة؟
بدايةً، لابد لنا من أن نستذكرَ واحدةً من حقائقِ الوجودِ مفادُها أنَّ اللهَ تعالى قد جعلَ لكلِّ شيءٍ ظلاً، وأنَّ ظلَّ الأشياءِ يُلاحقُها في حلِّها وترحالها. وفي هذه الآيةِ الكريمة يُورِدُ اللهُ تعالى مثالاً يُذكِّرُ بعظيمِ قدرتِه ومطلقِ تسلُّطِه على كلِّ ما في هذا الوجودِ من شيءٍ خلقته يداه. فإذا كان ظلُّ الأشياءِ يُلاحِقها في سكونِها وحركتِها، فإنَّ اللهَ تعالى قادرٌ على أن يُسكِنَ ظِلَّ الأشياءِ المتحركةِ فيجعلَه يكفُّ عن ملاحقتِها. فاللهُ تعالى هو الذي “يمدُّ الظِّلَّ”، أي “يحرِّكُه” فيجعلُهُ يُتابِعُ الأشياءَ إذا ما هي تحركت في نورِ الشمسِ أو في غيرِه. واللهُ تعالى قادرٌ، إن شاء، على أن يجعلَ الظلَّ ساكناً لا يتحركُ وإن تحركت الأشياءُ.
ولنا أن نتصوَّرَ كم سيبدو الأمرُ غريباً إذا ما تحرَّكت الأشياءُ وبقِيَ ظِلُها ساكناً بِلا حِراك! وهذا المثالُ الذي أراهُ اللهُ تعالى لرسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لَيُذكِّرُ بغيرِه من الأمثلةِ التي ضربَها اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم تِبياناً من لدنه لِما هو قادرٌ على أن يجيءَ به من عجيبِ الوقائعِ وغريبِ الأحداث مما لا يتَّفقُ مع ما دَرَجنا على الأخذ به على أنَّه من سُنةِ الأشياءِ وطبيعتِها! فهل من طبيعةِ الأشياءِ وسُنَّتِها أن تستحيلَ العصا أفعى ثم تعودَ بعدها عصاً تارةً أخرى؟! وهل من طبيعةِ الأشياءِ أن تحمِلَ أنثى الإنسانِ من دونِ أن يَمسسها بشر؟! أم هل من طبيعةِ الأشياءِ أن يُلقى في النارِ بشرٌ فتكونَ النارُ عليه بَرداً وسَلاماً؟!
فاللهُ الذي خرقَ عوائدَ الأمورِ بِعظيمِ سلطانِه، وتسلَّطَ على طبائعِ الأشياءِ بقوةِ جبروتِه، قادرٌ على أن يُسكِنَ الظِّلَّ فيجعلَه عاجزاً عن أن يُلاحقَ الأشياءَ في تحرُّكِها وترحالِها. واللهُ تعالى إذ هو قادرٌ على أن يُسكِنَ الظلَّ بقدرتِه على أن يقولَ للشيءِ إذا أرادَه “كن فيكون”، سوف يجعلُ الشمسَ على هذا الظلِّ الساكنِ دليلاً، وذلك بأن يجعلَ الناظرَ إلى الأشياءِ يراهُ وإن فارقته هذه الأشياء.
فيا لها من معجزةٍ هذه التي تجعلُنا ننظرُ إلى الأشياءِ وقد فارقها ظلُّها وننظرُ في ذاتِ الوقتِ إلى الظلِّ من بعدِ أن فارقتهُ الأشياءُ!!!