ظُلُماتٌ لا تُبصِرُها عَينُ الإنسان!

ذُكِرَت “الظُّلُماتُ” في القرآنِ العظيم بِمعنَيَين اثنين؛ المعنى الأول هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قَولِ اللهِ تعالى:
1- (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (1 الأنعام).
2- (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) (من 40 النور).
وأما المعنى الثاني، فهو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (من 122 الأنعام).
2- (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات) (من 257 البقرة).
3- (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور) (من 9 الحديد).
والظلماتُ بهذا المعنى الثاني هي وصفٌ لهذا الذي هو عليهِ حالُ الذين آثَروا الإعراضَ عن هَدي اللهِ تعالى. فالظُّلُماتُ التي يقبعُ في قلبِها كلُّ مَن أعرضَ عن هَدي الله واتَّبعَ هَواه هي “كيانٌ” لا قدرةَ لِعَينِ الإنسانِ على أن تُبصِرَه وإن كان لا يقلُّ “حقيقيةً” عن النورِ الذي خُلِقَ الإنسانُ قادراً على أن يُبصِرَه! وهذه الظلماتُ “غيرُ المرئية” لَيُذكِّرُ عجزُ الإنسانِ عن إبصارِها بعجزِهِ عن أن يُبصِرَ النورَ الذي جعلَهُ اللهُ تعالى لكلِّ مَن اضطرَّ نفسَه إلى اتِّباعِ هَدي الله وخالفَ بذلك عما يأمرُهُ به هواه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (من 122 الأنعام)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28 الحديد).
غيرَ أنَّ عجزَ “الإنسانِ كما نعرفُه” عن أن يُبصِرَ هذا النورَ، وتلك الظُّلُمات، لا يعني على الإطلاق أن ليس بمقدورِه أن “يُبصِرَ” كلاً منهما إذا ما ارتقى به حالُهُ مع الله إلى مَصافٍ يُصبِحُ عندها بمقدورِه أن ينظُرَ إلى الوجودِ بِعَينٍ ترى فيهِ بإذن الله ما لم تكن من قبلُ تراه!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s