الحضورُ القَدَري للشجرة في حياةِ الأنبياء

للشجرةِ “حضورٌ قَدَريٌّ” فاعِلٌ في حياةِ كلٍّ منا، شئنا ذلك أم أبَينا! ولقد حتَّمَ هذا “الحضورَ القدريَّ” للشجرةِ في حياةِ بَني آدمَ كلِّهم جميعاً ما ترتَّبَ على كلِّ واحدٍ منا أن يكابدَه ويُعانيَه من بعدِ أكلِ أبوَينا آدمَ وزوجِه من الشجرةِ التي نهاهما اللهُ عنها: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (19 الأعراف). فالإنسانُ، ومن بعدِ أكلِ أبوَيه من تلك الشجرة، تعيَّنَ عليه أن يختارَ بين طريقَين لا ثالثَ لهما:
1- (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (38- 39 البقرة).
2- (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون) (35- 36 الأعراف).
ولأنَّ لشجرةِ آدمَ كلَّ هذا “الحضورَ القدَري” في حياةِ الإنسان، فلقد شاءَ اللهُ تعالى، بخَفي لُطفِهِ، أن يُذكِّرَه بما كان من أمرِ أبوَيه مع الشجرةِ التي أُخرِجَا من الجنةِ بسببِها. فكانَ للشجرةِ أن تظهرَ في حياةِ أنبياءِ اللهِ ورُسُلِه ُظهوراً قدَرياً لا يملكُ العقلُ الحصيفُ المتدبِّرُ حيالَه غيرَ أن يطمئنَّ إلى أنَّ ما أنبأَهُ أنبياءُ اللهِ المُرسَلون بشأنِها لا يمكنُ أن يكونَ إلا الحقَّ من عندِ الله.
فالشجرةُ التي استظلَّ بظِلِّها سيدُنا موسى، والتي قدَّر اللهُ تعالى لها أن تسمعَ لدعائه عليه السلام: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير) (24 القصص)، كانت “علامةً فارقةً” في سيرةِ حياةِ سيدِنا موسى إذ تحقَّقَ له، ومن بعدِ أن استجابَ اللهُ تعالى دعاءَهُ، أن يخطوَ خطواتِه الأولى على الطريقِ لأن يُصبِحَ “كليمَ الله”، ورسولَه إلى فرعونَ الطاغية، والشاهدَ الأمينَ المؤتمَنَ على آياتِ اللهِ التسع.
كما وكان للشجرةِ “حضورٌ قَدَري” في حياةِ سيدِنا يونسَ هو الآخر، إذ داواهُ اللهُ تعالى ببعضِها فشفاهُ مما كان قد ألمَّ بهِ من مُصابٍ جَلَل من بعدِ أن مكثَ في بطنِ الحوتِ مدةً من الزمانِ لا يعلمُها إلا الله: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ. فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (139- 148 الصافات).
ولقد كان لشجرةِ النخلةِ “حضورٌ قدَري” في حياةِ كلٍّ من سيدِنا عيسى وأمِّه إذ ألجأها اللهُ تعالى إلى جذعِها وكان لها أن سمعَت مَن يُخبرُها بما جعلَها يطمئنُّ قلبُها ويذهبُ عنها رَوعُها: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (23- من 26 مريم). فاللهُ تعالى أجرى غَديرَ ماءٍ غيرَ بعيدٍ عن جذعِ النخلةِ التي اتخذَّته السيدةُ مريم لها مُتكئاً، واللهُ تعالى يسَّرَ لها أن تهُزَّ إليها بجذعِ النخلةِ هزاً خفيفاً تَساقطَ عليها منها إثر ذلك في “عزِّ الشتاءِ” رُطَباً جَنياً!
ولقد كان للشجرةِ في حياةِ سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم “حضورٌ قَدَري” إذ بايعَه الذين آمنوا عندها بيعةَ الرضوان: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (18 الفتح).

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s