
لأنبياءِ اللهِ تعالى خصوصيةٌ شدَّدَ عليها القرآنُ العظيم تشديداً يُلزِمُ كلَّ مَن يزعمُ أنَّه قد حدَّدَ لحريةِ تفكيرِهِ مساحةً سبقَ وأن حدَّدها هذا القرآن أن يحترمَها فلا يتجاوزَ عليها. ومن ذلك ما جرى على ألسنةِ بعضِ الأنبياءِ الذين قصَّ علينا القرآنُ العظيمُ قصَصَهم من دعاءٍ قد تجاوزَ على “خصوصيةِ الأنبياءِ” هذه كلُّ مَن ظنَّ أنَّه يحقُّ له أن يدعوَ اللهَ تعالى به.
فإذا كان سيدُنا موسى قد دعا اللهَ تعالى أن يشرحَ له صدرَه (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (25 طه)، وأن يحلُلَ عقدةً من لسانِه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي) (27- 28 طه)، فإنَّ ذلك لا يُجوِّزُ لنا أن ندعوَ اللهَ تعالى بهذين الدعاءَين الشريفَين اللذين ما دعا سيدُنا موسى اللهَ بهما إلا لـ “خصوصيةٍ” تأتَّى له أن يحظى بها جرَّاءَ ما تعيَّنَ أن يجريَ عليه من لطيفِ قدَرِ اللهِ أما وقد اصطفاهُ اللهُ واصطنعَهُ لنفسِه فصنعَهُ على عَينِه.
فسيدُنا موسى كان لا ينطلِقُ لسانُه إذا ما ضاقَ صدرُه لِعارِمِ غضبٍ أو عظيمِ اهتياج: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ. وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي) (12- من 13 الشعراء). كما أنَّ لسانَ سيدِنا موسى كان قد أصابَهُ ما أصابَه في طفولتِهِ فجعلَ من العسيرِ على السامعِ له أن يتبيَّنَ ما يقولُ إذا ما الصدرُ ضاقَ منه: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) (51- 52 الزخرف). ففرعونُ الطاغية كان يُشيرُ بقولِه ” وَلَا يَكَادُ يُبِينُ” إلى هذه “العلة” التي كان هو أدرى الناسَ بها أما وقد تربَّى سيدُنا موسى في كنفِه وفي قصرِه: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (18 الشعراء).
يتبيَّنُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ ضيقَ صدرِ سيدِنا موسى، وانعقادَ لسانِه إذا ما هو غضب، هما ما جعلاه يدعو اللهَ تعالى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي). فهل يجوزُ لنا بعدَها أن ندعوَ اللهَ تعالى بهذين الدعاءَين الشريفَين من بعدِ ما تبيَّنَت لنا العلةُ من وراءِ توجُّهِ سيدِنا موسى إلى اللهِ تعالى بهما؟!