
أمرَ اللهُ تعالى سيدَنا موسى بأن يتوجَّهَ، هو وأخوه سيدُنا هارون، إلى فرعونَ الطاغية. فما كان منه عليه السلام غيرَ أن توجَّهَ إلى اللهِ تعالى بما كان يجولُ في خاطرِه من شواغلَ ظنَّ أنَّها تحولُ دونَ أن يُنجِزَ المُهمةَ التي كلَّفه اللهُ تعالى بها على الوجهِ الأمثل: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون) (33- 34 القَصَص). فطمأنه اللهُ تعالى بقولِه له: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (من 35 القصص). فما هي “الآياتُ” التي يشيرُ إليها قولُ اللهِ تعالى لسيدنا موسى وسيدنا هارون “بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ الآيتَين الكريمتَين التاليتَين:
1- (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين) (12 النمل).
2- (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا) (101 الإسراء).
فالآياتُ التي أيَّدَ اللهُ تعالى بها سيدَنا موسى وسيدَنا هارون، ومن اتَّبَعَهما، هي هذه “الآياتُ التسع” التي يُعينُ على تبيُّنِها أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قَولَ اللهِ تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) (133 الأعراف). فهذه خمسُ آياتٍ من أصلِ تسعِ آياتٍ هي ما أشارَ إليها اللهُ تعالى بقولِهِ لسيدِنا موسى “بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ”. أما الآياتُ الأربع الأخرى، فهي “آيةُ العصا” و”آيةُ اليَد” و”آيةُ الرِّجز” والآيةُ التاسعةُ، والأخيرة، هي “آيةُ شَقِّ البحر”.